هوذا يا اخي مرة اخرى نحن مع احناءات من التاريخ مع قراءة هادئة نتملى فيها الوقائع ونتابع الحوادث ونتعلم منها فقه الحياة، اننا هنا من اجل الفهم والبصيرة والبصيرة جوهرة نفيسة من فاز بها فقد فاز بخير كثير، دعنا اذن يا اخي نقرأ في بعض حوادث النصف الاول من القرن الهجري الاول ومبتغانا التعرف والتبصر والاستقامة على الصراط.
عندما انهال الناس على الامام علي بن ابي طالب ليبايعوه خليفة بعد مقتل عثمان، كان علي يعلم ان امامه اياماً عصيبة فالنبي (صلى الله عليه وآله) عهد اليه لقتال الناكثين اولاً وهذا يعني ان بين الذين سيبايعون من سيفقض البيعة ويقاتله، ومن جهة اخرى فأن اكثر الذين سيبايعونه لا يعلمون شيئاً عن مكانته من الرسالة والرسول فكيف يخوض بهم المعارك وهم على هذا الحال، في حين تطفح خزائن الذهب والفضة عند الد اعداء الرسالة.
هذا كله كان شاخصاً امام الامام علي (عليه السلام) حين جاءوا اليه يبايعونه وكان عليه ان يبين لهم الحقيقة اي حقيقة ما يعلمه ولا يعلمونه ويخبرهم انه ان اجابهم الى ما يريدون من البيعة فأن مثله لن يتراجع عما عهد اليه من النبي (صلوات الله وسلامه عليه) وفي هذه الحالة لن يلتفت الى قول القائل منهم فهم اما ان يقبلوا بهذا او يتركوه ويبحثوا عن غير وهذا المعنى كان فيما روي عنه (عليه السلام) انه قال لهم «دعوني والتمسوا غيري فأن مستقبلون امراً له وجوه والوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وان الافاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم ولم اصغي الى قول القائل وعتب العاتب وان تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه امركم وانا لكم وزير خبر لكم مني امير».
اجل يا اخي، ان الامام علي (عليه السلام) اخبرهم ان الايام حبلى بحوادث كثيرة في وقت بهتت الحقيقة ودثرها الغمام ثم خيرهم اما ان يجيبهم ويركب بهم ما يعلم واما ان يتركوه ويبحثوا عن سواه ولعل هذا الموقف ينطلق من مسألتين الاولى الناس اعداء ما جهلوا كما قال هو (عليه السلام) فأراد ان يبين لهم الخطوط الرئيسة حتى يكونوا على علم بما جهلوه من الامر وثانيهما انه اخبرهم يخطة عمله كما اخبر من قبل في يوم الشورى على عهد عمر ليكونوا على بينة من امرهم ويضعهم في دائرة الاختيار كما وضع غيرهم من قبل وهذا يا اخي شأن الحجة في كل زمان ومكان فالحجة تفتح ابواب الاختيار ولا اكراه في الدين وهذا اسمى معاني الحرية، ترى ماذا كان موقف الذين انهالوا على الامام مبايعين. ان اعداداً كبيرة منهم قبلوا ان يبايعوه على ذلك فقال لهم كما رواه الطبري «ففي المسجد فأن بيعتي لا تكون خفية والا عن رضى الناس».
يقول الطبري: «فلما دخل المسجد ادخل المهاجرون والانصار فبايعوه ثم بايعه الناس ولم يختلف احد من الانصار الا بايع» وروى ابن كثير ان اول من بايعه طلحة والزبير وذكر ابن حجر في فتح الباري عن الاشتر قال: «رأيت طلحة والزبير بايعا علياً طائعين غير مكرهين».
وفي هذا السياق روي ان الناس عندما بايعوا علياً تربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن ابي وقاص وعبدالله بن عمر وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش واسامة بن زيد وذكر ان عمار بن ياسر قال: يا امير المؤمنين قد بايعك الناس كافة الا هؤلاء النفر فلو دعوتهم الى البيعة كي لا يتخلفوا في ذلك على المهاجرين والانصار.
فقال الامام (عليه السلام): يا عمار لا حاجة لنا فيمن لا يرغب فينا وعندما.
قال الاشتر مثل قول عمار قال الامام: يا مالك اني لا عرف بالناس منك دع هؤلاء يعملون برأيهم، وذكر ابن ابي الحديد ان هؤلاء لن يتخلفوا عن البيعة وانما تخلفوا عن الحرب وروي ان مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة حضروا عند علي فقال الوليد وكان لسان القوم يا هذا انك قد وترتنا جميعاً اما انا فقد قتلت ابي صبراً يوم بدر واما سعيد فقد قتلت اباه يوم بدر وكان ثور قريش واما مروان فقد شتمت اباه وعبت على عثمان حين ضمه اليه وانا نبايعك على ان تضع عنا ما اصابنا وتعفي لنا عما في ايدينا وتقتل قتلة صاحبنا فغضب علي وقال: اما ما ذكرت من وتري اياكم فالحق وتركم واما وضعي عنكم عما في ايديكم مما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم واما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم للزمني قتالهم غدا ولكن لكم ان احملكم على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فمن ضاق الحق عليه فالباطل عليه اضيق وان شئتم فالحقوا بملاحقكم.
وروى الطبري وابن كثير انه هرب سعيد والوليد الى مكة وتبعهم مروان وهرب قوم الى الشام.
وذكر الحاكم في المستدرك انه عندما بويع الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر:
اذا نحن بايعنا علياً فحسبنا
ابو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه اولى الناس بالناس
انه اطب قريش بالكتاب والسنن
وان قريشاً ما تشق غباره
اذا ما جرى يوماً على الضمر البدن
وفيه الذي فيهم من الخير كله
وان ما فيه كل الذي فيه من حسن
*******