البث المباشر

الرياء وإحباط الأعمال

الثلاثاء 29 يناير 2019 - 11:05 بتوقيت طهران

الحلقة 121

ما احسن ان يقبل الانسان على ربه نظيفاً سليم القلب فالتوحيد يعني في ما يعني ان لا نبتغي في اعمالنا ونياتنا الا وجه الله الواحد الاحد سبحانه وتعالى ومتى تلوث القلب والنية ودوافع العمل بغير ابتغاء‌ وجه الله فقد فارق الانسان التوحيد الحقيقي ودخل في الثنائية او الثلاثية او التعددية في العبادة حسب عدد الشركاء الذين جعلهم نصب عينه في العمل وفي نية العمل. من قام بعمل عبادي عزيزي المستمع وكان في نيته ان يطلع على هذا العمل احد ليعجب به فقد ارتكس في رذيلة الرياء البعيدة عن جمال التوحيد وهنا كان التعبير عن الرياء او المراءات بأنه نوع من الشرك الخفي وهذا مما ينبغي ان يتنزه عنه الانسان السوي ويتوب عنه من اراد ان يكون من اهل سعادة التوحيد.
للمراءات يا اخي المستمع الكريم صور ومظاهرة كثيرة تبدأ من القيام بالعبادة لاغراض مصلحية لا بدافع الامتثال لارادة الله عزوجل وتمر بحالات كثيرة من اختلاط هذا الامتثال لامر الله بدوافع اخرى مريضة، من صور المراءات ان يعمل الانسان عملاً عبادياً هدفه الاصلي هذا الامتثال لامر الله تعالى والتقرب اليه ويكون المرء قد وطن نفسه على القيام بهذا العمل بأي ظرف من الظروف سواء اطلع عليه احد ام لم يطلع، لكن هذا الانسان لتورطه في الاهواء النفسية يحس بالنشاط والفرح اذا اطلع احد على حالته العبادية هذه فهو يؤدي عمله بمرئى الآخرين ومسمعهم بمزيد من النشاط ومزيد من الاقبال، اما اذا خلا بنفسه فأن هذا النشاط يقل ويضعف عنده التوجه والاقبال بل ربما يكسل من العبادة ويتثاقل عن الطاعة وهذا لون من الوان الرياء ولا شك.
يقول امام المتقين علي بن ابي طالب (عليه السلام): «ثلاث علامات للمرائي ينشط اذا رأى الناس ويكسل اذا كان وحده ويحب ان يحمد في جميع اموره» هذه الصورة للمرائي هي من اشيع الصور واكثرها بين اهل التدين والمنتمين للايمان وهي كما ترى يا اخي تحتاج الى علاج يبادر اليه لا لا تستحكم اليه الحالة وتشتد فيصعب الخلاص منها ذلك ان من اراد ان تكون عبادته خالصة لله تعالى لا يمكنه تحقيق هذا الهدف مادام داخله متضمناً اهواءاً نفسية وهذه الاهواء قد تعبر عن نفسها في اية فرصة وفي اية حالة مما يلوث العبادة ويسم صاحبها بسمة الرياء. ان الحالة السليمة المعافاة ان المؤمن يقبل على الطاعة بنشاط سواء كان في محضر الناس ام كان مختلياً مع الله وحده وفي هذا من الدلالة على قوة الايمان وسيطرة المرء على هواه ما لا خفاء فيه لانه قد وطن نفسه على الاتصال بالله والانقطاع اليه ولا يعنيه من سواه وما سواه.
ومن الصور المحسوبة من الرياء عزيزي المستمع ان يقبل المرء على عبادته بنية خالصة ويستمر على هذه النية حتى يفرغ من هذه العبادة بلا شائبة رياء بيد انه يحب بعد اتمام العبادة ان يعرف الاخرين بما في عبادته من اقبال ومن توجه القلب سواءاً كان هذا التعريف عن طريق التصريح او التلويح وما ذاك الا من آثار الهوى الكامن في النفس، هذه الحالة يا اخي ينبغي التفطن لها والحذر منها لانه ليس المهم اداء العمل وحده بل المهم ايضاً الاستمرار على الصلاح في العمل حتى بعد اداءه، يقول الامام محمد الباقر (عليه السلام): «الا بقاء على العمل اشد من العمل».
قال الراوي: وما الابقاء على العمل؟
قال: «يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سراً ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علاينة ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء».
ومهما يكن يا اخي المستمع من امر فأن هذا اللون من المراءات هو عقبة كبيرة في طريق العبودية الخالصة لله وكثيراً ما يكون نصيب المرء من جراءها الخسران والحرمان ذلك ان مكائد النفس والشيطان كثيرة متلونة يدق بعضها حتى لا يكاد يبين بحيث يقع المرء في اشراكها وحبائلها وهو يحسب انه على سواء الطريق. وينبغي للانسان ان يتذكر دائماً ان الشيطان قاعد له في الطريق ذلك انه قد اقسم بعزة الله تعالى ان يغوي بني آدم كافة الا عباد الله المخلصين وهذه رسالة تحذير يتوجب علينا ان نتعامل معها بجد لا هزل فيه وان لا نتساهل في الموضوع ونستهين به فليس المهم يا اخي اداء العبادة‌ وحسب بل المهم ايضاً المحافظة على العبادة والمداومة عليها وحفظها بعد اداءها من التضييع، ترى كيف يمكن ان نعالج الامر؟ ان معالجة تدخل الشيطان تكون كما علمنا الله تعالى بأن نسد في وجهه المنافذ وان لا نسترضي ولا نأمن مكره فمن شأن هذا الكائن الخبيث ان تغلق بوجهه باباً فيدخل عليك من باب آخر او تطرده من الباب فيتسلق اليك من الشباك ثم هو يزين للمرء ما يريد خديعته به بأسلوب ماكر خداع يجعل الانسان يصدقه وينخدع به الا ان يعتصم بالله، ان الشيطان متى ما واجهته باليقظة الروحية وذكر الله فأنه يخنس وينكفيء صامتاً لا يقدر على شيء لكنه يعاود المخادعة فيأتي من طريق آخر ويبدأ الوسوسة والتزيين وهذا يدعونا اذن الى المزيد من التبصر والتفطن ويحثنا على مزيد من الاعتصام بالله تعالى على كل حال، «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ».
يقول الحق تبارك وتعالى في سورة آل عمران: «وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» ويقول ايضاً في سورة النساء«الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ».
هذه يا اخي صور من حالات المراءات الذميمة نسأل الله تعالى ان ينبهنا اليها في سلوكنا اليومي لنبرأ منها وننجو من ظلامها وان يجعل اقوالنا وافعالنا ونياتنا خالصة لوجهه الكريم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة