الانسان في حياته اليومية ربما يحظأ ويزل وهذه مسألة واقعية لا تنكر وعندئذ يكون بأرتكابه المخالفة والاثم قد ابتعد عن نور الله سبحانه ودخل في حجاب مظلم يفصله عن لطف الله، والندم على ارتكاب هذا الخطأ والاثم مما ينبغي ان يبادر اليه المرء كلما زلت به قدم وهذا الندم الذي يعني الاوبة الى الله والتوبة من الخطيئة لابد ان ننظر اليه نظرة اكثر جدية ونحسب له حساباً خاصاً، هذه التوبة هي التي تحررنا من ظلمات الغفلة والاعراض عن الحق الى نور الاقبال عليه حيث نجد الحياة الحقيقية ونجد الانسانية الواقعية المنزة عن لوثة الاوهام ودنس الاهواء الباطلة ذلك ان التوبة الصادقة هي ولادة حياة جديدة للانسان وسير على الطريق السوي.
هذه التوبة تعني الندم على اقتراب المعاصي والآثام وتعني ايضاً التطهر من الصفات الذميمة ورديء الخصال لان كل صفة سيئة في داخل الانسان هي حجاب من الحجب الموشحة التي تعزل الانسان عن نور الله، من اراد المسير المعنوي الى الله سبحانه فعليه ان يبدأ بتطهير نفسه من الرذائل ومن الاخلاق الذميمة والصفات المستقبحة بأن يخط لنفسه خطة لمجاهدة هذه الرذائل والتغلب عليها مستعيناً بالله وبهذا يدخل الانسان في طريق التحرر من قبضة هذه الظلمات المعنوية الرهيبة ولكن بشرط ان لا يتهاون ولا يسوق فأن الوقت سريع الفوت والمرور والعمر قد ينقطع في اي لحظة من اللحظات، وطريقة التخلص من الصفات الخلقية الذميمة ان يجردها الانسان واحدة واحدة اولاً ثم يسعى للخلاص منها كلاً على حدة الى ان تضمحل جميعها وتحل محلها الخصال الحسنة والصفات الصالحة ولا ريب ان هذه الخصال والصفات الجديدة هي مقامات نورانية تتغلغل في باطن الانسان وتفتح له من ثم الطريق الصاعد الى الله تبارك وتعالى.
ان الصفات الذميمة والاخلاق السيئة لها مصاديق وامثلة عديدة اشارت الآيات والروايات الى كثير من جزئياتها وتفصيلاتها وقد اهتم علماء الاخلاق والسلوك المعنوي بتفصيل القول فيها وفي سبل معالجتها من خلال مادونوه من كتب ومؤلفات، وفي الطريق الصاعد الى الله ينبغي تحويل الصفات السلبية الى صفات ايجابية خيرة تفتح للانسان معالم الطريق وتعينه في الترقي المعنوي والصعود، والمعاصي والمخالفات التي تصدر من المرء هي في الواقع مظهر لحالة مخالفة الحق ولمتابعة الهوى والشيطان وهاتان الحالتان اي مخالفة الحق ومطاوعة الهوى والشيطان تظهران بصورة معاصي وآثام وهذا يعني يا اخي ان باطن الانسان متى نبتت فيه صفة الطاعة لله سبحانه وصفة المخالفة للاهواء ولوساوس الشيطان فأنه ينجو من الوقوع في المعاصي والخطايا والذنوب لانه يكون عندئذ قد قضى على منبع المخالفات وقضى على الحية من رأسها واستراح من السموم والشرور.
عزيزي المستمع ان اصل المعصية اذن هو ما في داخل الانسان من صفة مخالفة الحق وصفة الانقياد للنفس وللشيطان وما المعصية الا ظهور عملي لهاتين الصفتين كما هو بين وحين تنمحي من دواخلنا هاتان الصفتان لا يبقى مجال للذنوب والمعاصي ان تتحقق في الواقع الخارجي وهذا يكشف لنا يا اخي عن امر خطير، هذا الامر الخطير هو ان خسران المرء في الآخرة وما ينتظره من عذاب وحرمان وشقاء انما مصدره هذه الرذائل الساكنة في داخله، وكذلك ما يفوز به الرجال الصالحون من التكريم ومن النعيم الاخروي المقيم فأنه ناتج عما في دواخلهم من حميد الصفات وصالح الخصال والاخلاق وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «انما بعثت لا تمم مكارم الاخلاق».
والمراد من التخلص من الرذائل اخي المستمع والصفات الذميمة هو المعنى الواسع لها الذي يشمل كل صفة وكل خصلة ذميمة سواء كان ظاهرة ام خفية لتأتي بعدها مرحلة اكتساب الفضائل والانتقال الى الخصال الخيرة التي يصدر منها العمل الصالح، ولا شك ان على رأس قائمة الرذائل والصفات الذميمة القاتلة رذيلة حب الدنيا وهذا مما ينبغي ان يتفطن له المرء منذ اول خطوة يخطوها في الطريق كي يبدأ بالاقلاع عن المعاصي والمخالفات، في هذا السياق يا اخي ينبغي ان نتدبر في آيات القرآن الكريم التي هي غاية الغايات في التربية والسلوك المعنوي السليم ذلك ان طائفة غير قليلة من الايات القرآنية حين تدعو الانسان الى المشي في طريق العبودية لله فانما هي تبصره بشتى الاساليب للنجاة من خطيئة حب الدنيا والعكوف عليها وتبصره ايضاً ان يعمل جاهداً ليجعل بدل حب الدنيا فضيلة حب الله والانجذاب القلبي اليه ومتى تحرر احدنا عزيزي المستمع من حب الدنيا وانجذب الى الحق واشتاق الى لقاءه فأنه يكون قد ابتدأ فعلاً في السلوك العبودي المرضي، وهذا يعلمنا بوضوح ان الحجاب الاكبر الذي يقطع علينا السبيل الى الله هو حب الدنيا الذي هو مصدر المفاسد ومنبع كافة الرذائل كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حب الدنيا رأس كل خطيئة».
ان من الناس من عني بالاقبال على قراءة الاذكار والاكثار من الاوراد وظل على ذلك زماناً تحمل فيه مشقات كثيرة لكنه لم يخرج من تجربته هذه بطائل ولا بلغ من المعنويات ما كان يريد ذلك لانه قد غفل عن مسألة مهمة ولا ينتبه الى الحجاب الاكبر الذي يصده عن سبيل الله وهو حب الدنيا فلم يتطهر منه ولم ينفلت من اسره وهكذا ظل يراوح في مكانه لا توصله اوراده واذ كاره هذه الى شيء.
وهذا مرة اخرى دليل على ما لهذه الرذيلة من اثر قوي لخسران الانسان وذهاب جهوده سدى اذا لم يبادر الى الخلاص منها والنجاة من حبائلها القاتلة. ومن البين يا اخي الكريم ان المراد من حب الدنيا هو الحب المادي الذي يشغل المرء عن التوجة الواقعي لله تعالى فتكون الدنيا عندئذ وثناً يصد عن سبيل الله اما اذا كانت موجودات الدنيا عوناً على طاعة الله وتستثمر لترقية الانسان في نهج العبودية لله فأنها تكون عندئذ مما يمدح ويستحب كما ورد في الحديث: «نعم العون على طاعة الله الغنى».
*******