يبصرنا ويعلمنا فقه الحياة وفقه السير على الصراط المستقيم. حين ينفض احدنا عن نفسه عبار الغفلة ويبدأ حالة اليقظة الروحية فسوف يجد نفسه في موضع جديد ووعي جديد وتفكير جديد وحتى مشاعر جديدة لم يكن قد جربها من قبل، ومن الثمرات القيمة التي يلقاها المرء في هذه الصحوة الروحية انه يجد نفسه قد اخذ يمشي في اول الطريق لمعرفة الله عزوجل وسيفوز من هذه المعرفة العظيمة بمقدار صحوته وافاقته اي بمقدار ما ازاح عن نفسه من حجب الغفلة والجهل، ومن البين يا اخي ان التعرف على الحق والاحساس بعظمته سبحانه وتعالى يتناسب والمرحلة التي عليها المرء من البصيرة والوعي الروحي والايماني وهكذا تتفاوت معرفة من هو اول الطريق عن معرفة من قطع اشواطاً طويلة في السلوك الى الله من خلال الوعي والبصيرة وكذا يتفاوت تعظيمه لشعائر الله ولحرمات الله بمقدار ما فاز به من المعرفة، وهذا يعني يا اخي المستمع ان هناك معادلة دقيقة وتناسباً واقعياً بين التوفق الى معرفة الله تبارك وتعالى وبين ما ينطوي عليه المرء من بعد عن الغفلة والجهالة ومن بعد عن الخيالات والاوهام ولن يفوز الانسان بأنكشاف جلال الحق وجماله له الا اذا تخلى عن غفلته وتحرر من الافكار الوهمية المظلمة وبدأ بصدق سلوك الطريق نحو الله.
انه لمن الخسارة الفادحة يا اخي المستمع ان يحرم احدنا من التوجه الى علو ساحة الحق والى رفعة قدس عزته وعظمته وهذا الحرمان والخسران يعني اننا ما نزال نخوض في اودية الاوهام المليئة بالمخاطر وآلافات بدون ان نشعر بالخطر الذي نخوض فيه، ترى كيف يعرف احدنا عن نفسه انه لم يسلك في الطريق الى الحق ولم يتعرف عن قدس عزته وجلاله وعظمته؟
هنالك علامات مهمة يدل وجودها على ان صاحبها خائض في اودية الهلكات غائص في ظلمات الغفلة والجهل، من هذه العلامات ان يظن احدنا ان عبادته الناقصة هي طاعة كاملة مرضية، ومن هذه العلامات ان ثيق المرء بأعماله وعباداته ويراها منجية له ومنقذة ومن علامات الجهل والبعد عن ساحة الحق ان لا نراعي في محضر الله اداب العبودية لله وان نفتقد الخوف والخشية منه جل جلاله ومنها اننا لا نشعر بالوجل عندما نتذكر يوم القيامة والحساب، ومن العلامات الدالة على الغفلة ايضاً ان لا يستحي المرء من مقام انكشاف بواطننا وظهور سرائرنا على رؤوس الاشهاد ومنها كذلك ان ترى المرء مغموراً بفرح دنيوي وسرور ناسياً الحزن والغم وكأنما هو في امان ابدي لن يخرج منه وهذا يا اخي وهم من اخطر الاوهام.
هذه يا اخي كانت علامات دالة على الغفلة والاغترار، يكون فيها الانسان سارحاً في خيالات وهمية قد صنعها لنفسه بعيداً عن الله وعن الشعور بعظمته سبحانه وتعالى، انه الجهل الذي يسوق الانسان الى هذه الحالة من الاغترار والانخداع والوقوع من اشراك الاوهام «يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ» انه الجهل الذي يجر صاحبه الى الاغترار امام مقام الربوبية العظيم، الجهل بكل انواعه ومختلف مراتبه ودرجاته، هو من يغر المرء ويدفعه الى مستنقعات الحرمان والخسران، وقد تكون هذه المستنقعات التي سقط فيها المرء من العمق والبعد بحيث لا يتفطن المرء الى معاني ما كان عليه الانبياء والاوصياء (سلام الله عليهم) من الضراعة والدعاء والبكاء بين يدي الله وهم منهم في بصائرهم وتعبدهم وقربهم في ساحة الحق جل وعلا.
وهذه نقطة مهمة عزيزي المستمع ينبغي ان يفهم المرء اشياء كثيرة فهؤلاء الرجال الكبار الذين سلكوا الطريق الى الله من قبل قد تنورت بصائرهم وعرفوا الطريق الذي ينبغي ان يسير اليها الانسان وانها لا تحتمل الغفلة والغرور وفي هذا درس لنا بليغ ينبغي ان نخرج منه بثمرة تنفعنا وتعلمنا كيف ننزع عنا اهواء الغرور والغفلات.
القرآن الكريم يكشف في آياته الشريفة عن هذا المعنى ويجليه وهو ان المتورطين في مستنقعات الغفلة والجهل محجوبون عن الله غافلون عن قدس عظمته وجلاله وهؤلاء على انواع منهم الجاحدون المعاندون، ان الطاعة لغير الله والانس بما سوى الله والاستيحاش من فقدان هذا الغير والسوى كله نوع من الشرك الخفي لانه ينطوي على طاعة غير الله وعبادة غير الله مما يقطع المرء عن الاحساس بعظمة الله والانس به والوحشة ممن سواه وهذا من شأنه ان يسوق الى الهلاك المعنوي والخسران لان الانسان قد تخلى في هذه الحالة عن الاخلاص لله والانقطاع اليه وحدة دون سواه.
ان اشراق نور اليقظة في قلب العبد يولد عزيزي المستمع في القلب حالة خاصة من التعامل مع الله يحس معها ان المعصية جرم قاتل كبير ويرى ان عباداته وطاعاته ناقصة وقليلة ولا شيء، لنستمع الى القرآن «إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» وفي نهج البلاغة يقول الامام على امير المؤمنين (عليه السلام) «لقد رأيت اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فما ارى احداً منكم يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غيراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين اعينهم ركب المغر من طول سجودهم، اذا ذكر الله هملت اعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءاً للثواب».
*******