حديثنا اليوم يتصل بالقرآن الكريم كتاب الهداية والتبصير، نتعلم منه شيئاً مما يهمنا ويثبتنا على الصراط المستقيم، فماذا نتعلم اليوم من كتاب الله المجيد؟
في خطابات القرآن الكريم سمة خاصة يجدها من يتأمل في آيات القرآن وهذه السمة هي ان في القرآن صوتاً يهز اعماق الانسان فيوجد فيها صحوة روحية وعقلية، انه الخطاب الذي يحرك الباطن لاحداث يقظة دائمة وآفاقة مبصرة ذلك ان هذه اليقظة وهذه الصحوة هي من اساسيات حياة الانسان المؤمن في فكره وروحه وعمله وبدون هذه اليقظة يظل ابن آدم سادراً في نوم الغفلة لا يفيق الا عندما يفاجئه رسول الموت فيصحو عندئذ من غفلته حيث لا ينفعه الاستيقاظ، لا بد للمرء يا اخي المستمع من اليقظة والانتباه ولابد له من التبصر ومن رؤية العالم رؤية واقعية تعيش الحاضر بوعي كافي وتستعد للغد استعداد المترقب البصير، ويستبين لنا ما في الخطاب القرآني من هز للاعماق ومن تحريك للباطن متى ادركنا ان القرآن يخاطبنا فعلاً ويتحدث الينا، وانه حامل كلام الله لنا نحن البشر، ان كل خطاب قرآني موجه للمؤمن ينبغي ان يقابله المؤمن بأستجابة دقيقة وبتصديق عملي سريع ذلك ان الحق تبارك وتعالى لا يمزح معنا في خطابه القرآني وحاشاه بل انه ليقول الفصل والصدق «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا».
من الخطابات القرآنية في التوعية والايقاظ والتبصير قوله تعالى في سورة النساء «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ» ان من شأن هذا الخطاب الالهي للمؤمنين ان يهزهم ويوقظهم الى الحقيقة المهمة التي يريد ان يقولها«آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ» في هذا يا اخي تحذير للمؤمنين وفتح انتباههم الى الاقبال على الايمان الصادق من جديد، فكأن الاية تقول لهم انكم لحد الان لن تؤمنوا الايمان المطلوب وليس توجهكم الى الحق واعراضكم عن الباطل بالمستوى اللائق بالمؤمنين الممدوحين، ذلك انكم لم تتخلصوا فعلاً من الجهالة والضلالة، واذن فلن تنجو من شدائد الآخرة ومخاطر العقاب، هذه ايقاظة قرآنية لمن كان له قلب من المؤمنين من اجل ان يتنبه ويفيق من غفلته ويخرج من حالة الايمان الظاهري الضعيف الى حالة الايمان الواقعي المستند الى معرفة سليمة وتصديق عميق.
وفي آية نورانية اخرى عزيزي المستمع يستخدم القرآن الكريم الطريقة المختلفة لايقاظ الذين آمنوا ولتوثيق ارتباطهم بالمعاني الايمانية والمواقف التوحيدية طريقة فيها حث وترغيب في جزاء معنوي كبير، يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الحديد «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» انه اذن الايقاظ للمؤمنين من خلال الوعد الصادق وانه هز لمشاعرهم بهذا الوعد العظيم المذخور من اجل ان ينهضوا من نوم الغفلة ويبادروا الى الاقبال الجاد على الايمان والالتزام بما يقتضيه الايمان من تصديق ومن موقف متبصر سليم، «اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» ويمضي الخطاب القرآني الى مدى غير هذا والى اسلوب اشد عنفاً في تحريك داخل الانسان وفي هز مشاعره من اجل تبصيره بحقائق مهمة قد اغمض عنها الطرف وعاملها بكثير من قلة المبالاة في حين هي حقائق اساسية ضرورية لايمانه بها ارتباط وثيق بواقع الانسان وبحياته المستقبلية في الدار الاخرة الباقية الخالدة.
أرأيت يا اخي الى هذا الخطاب التحذيري الخطير الذي يستبطن رحمة بنا ورأفة انه عتاب موقظ ولوم شديد يراد به الانتفاض وتحطيم جدران الغفلة والخروج من ظلمة الغفلة الى نور الله المبثوثة آياته وعلاماته ومعالمه في كل مكان حولنا في السموات وفي الارض وفي كل شيء.
ان هذا التجاهل لآيات الله المبنوثة من حولنا انما يدل على غفلة شديدة الظلام ومن يعرض عن آيات الله الجهيرة الوفيرة فلابد انه معني بشيء آخر غير هذه الايات الالهية المنورة اي انه بعبارة اخرى مشغول بغير الله جل وعلا ويريد غير وجهه الكريم ولذلك نسبته هاتان الآيتان الى الشرك وهولون من الشرك عجيب ينبغي ان نتنبه له ونحسب له الف حساب، تقول الآية «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ» شرك غريب هذا الذي يقع المؤمنون فيه ويقبعون في ظلامه المضل، شرك في داخل الايمان، شرك متلبس بالايمان الذي يدعون، يشركون مع الله غير الله حين يمرون بآيات الله التي وضعها للدلالة والهداية والارشاد وهم معرضون، غافلون عنها، لاهية قلوبهم عن الله بما سوى الله، وهذا هو الشرك العملي وان كانوا لا يؤمنون بالشرك الاعتقادي.
يريد الله جل جلاله ان يطهرنا من لوثة الغفلة والاعراض ويريد ان يجعلنا في هذا الخطاب اسوياء نمشي على صراط مستقيم، يريدنا سبحانه وتعالى ان ندخل في نور التوحيد، توحيد المعتقد، وتوحيد العمل وقد بث سبحانه آياته وعلاماته لينقذنا من موت الشرك الخفي الى حياة الابد في سعادة الايمان التوحيدي، في دعاء عرفة يقول الامام ابو عبد الله الحسين (سلام الله عليه) «الهي علمت بأختلاف الاثار وتنقلات الاطوار ان مرادك مني ان تتعرف اليّ في كل شيء حتى لا اجهلك في شيء».
*******