يعبر مصطلح الماسوشية السادية على العلاقة الوثيقة بين السادية التي هذه التلذذ بأنزال العقاب بالآخرين وبين الماسوشية التي تعني على العكس تلذذ المرء بوقوع الالم والتعذيب عليه او التلذذ باضطهاد الذات.
مصطلح السادية ينسب الى الماركيز ديساد في القرن الثامن عشر الذي اشتهر بمؤلفاته ذات المحتوى العنيف، ومع ان ديساد لم يمارس الا القليل من خياله الخصب الذي اودعه مؤلفاته الا انه اوجد مصطلحاً ارتبط بأسمه وغدا من اكثر المصطلحات تداولاً على السنة الكتاب في موضوعات شتى كما وجد هذا المصطلح طريقه الى التعبيرات المتداولة بين الناس في وصف اولئك الذين يجدون لذة في ايقاع الالم والاذى في الاخرين ويرى بعض الباحثين ان نزعته السادية التي بدت في سلوكه وتجلت على نحو صارم في كتاباته انما مردها الى كراهيته العميقة لامه وهذه الكراهية هي التي دفعت به الى محاولة الانتقام من الاثنى بصفة عامة ومهما تكن خلفية طفولة الماركيز ديساد فلا ريب انه كان يتسم بأضطراب وعدم اتزان دفع به في النهاية الى دخول مستشفى الامراض العقلية حيث امضى بقية حياته.
اما مصطلح الماسوشية فهو القطب المضاد للسادية في العلاقة الماسوشية السادية فما هو معنى هذا المصطلح؟ انه تعبير عن حالة الفرد في تقبله لما يمكن ان يقع عليه من الم وايذاء جسمي او نفسي من شخص آخر واستمتاعه بهذا الالم، وينسب المصطلح الى الكاتب الروائي النمساوي الذي ارتبطت بأسمه هذه الحالة وهو اليوبولت ماسوش في القرن التاسع عشر الذي الف رواية وينوس في الفراء وهي في بعض اجزاءها تعبر عن فترات وتجارب من حياة المؤلف نفسه وخاصة في طفولته اذ مر بحادثة اطلع فيها خفية على انحراف قريبة له فكشفت امره في اللحظة نفسها وانزلت به ضربات مؤلمة احس بأختلاط اللذة بألم هذا الضرب وهكذا يفسر المحللون نشؤ ارتباط وثيق بين الالم الذي انزل به وبين اللذة التي كان يحس بها في لحظات المراقبة الخفية للمشهد المثير.
ويرى هؤلاء المحللون ان هذا الارتباط قد تأصل في نفسه الى حد جعل من الممكن قيام اعتماد متبادل بين الالم واللذة وان الشخص الماسوشي مهيء الى مثل هذا الانحراف.
وفيما نحن في صدده من مصطلح الماسوشية والسادية ايها الاخوة ثمة ملاحظات نقدمها بين يدي المنحى السياسي الذي سنصير اليه من هذين المصطلحين:
الملاحظة الاولى: انه على الرغم من ارتباط المصطلحين بالمعنى الجنسي باديء ذي بدء استخدمتهما مدرسة التحليل النفسي في تفسير كثير من مظاهر السلوك فأنهما انتقلا بعد ذلك الى علم النفس الاجتماعي ثم الى علم الاجتماع واخيراً دخلا في ميدان الفلسفة السياسية وهي التي تعنينا هنا دون سواها.
الملاحظة الثانية: هي ان هناك ارتباطاً وثيقاً بين المصطلحين او بين النزعة السادية المتسلطة التي تفرض سيطرتها على شخص او مجموعة من الاشخاص وبين النزعة الماسوشية التي تستسلم للالم بل تستعذبه مما يفتح السبيل لجمعهما في مصطلح واحد هو ما يسمى العلاقة الماسوشية السادية وهي العلاقة التي يكون فيها الطرف الاول قوة مسيطرة متسلطة تفرض ارادتها في حين يكون الطرف الثاني شخصية مستسلمة خاضعة.
الملاحظة الثالثة: انه اذا كان علم النفس قد نظر في البداية الى هذه العلاقة على انها تمثل انحرافاً على الطريق السوي فأن معظم علماء النفس الغربيين يعدونها الان من القضايا الطبيعية رغم انها قد توجد بصورة منحرفة عند بعض الناس وبتعبير آخر ان النزعات الماسوشية السادية موجودة بدرجات مختلفة في الاشخاص الاسوياء والمنحرفين على حد سواء، والعامل الخفي في هذه العلاقة هو تبعية كل طرف للآخر واعتماده عليه فالشخص السادي يحتاج الى الشخص الذي يتحكم فيه ويسيطر عليه، انه يحتاج اليه مادام شعوره بالقوة كامناً في واقعه انه سيد لشخص ما.
انه الشخصية السادية ربما لا تبدو محيرة فايذاء الاخرين ومحاولة السيطرة عليهم ليس امراً محبباً وانه يبدو امراً طبيعياً مألوفاً لكن الشخصية الماسوشية التي يميل فيها المرء الى تقبل الالم والذى تبدو لغزاً محيراً اذ كيف يمكن للمرء ان يفهم ان الناس لا يكتفون بالتقليل من شأنهم او اضعاف ذاتهم او ايذاءها وانما يستمتعون بذلك ايضاً.
الا يتناقض ذلك مع تصورنا لطبيعة الانسان التي تنفر من الالم والمحافطة على الذات، هذا كله صحيح ولكن النفس البشرية يمكن ان تميل في حالات الى البحث عن المعاناة والالم والضعف والعذاب كأن بميل بعض الناس ان يعامل معاملة الطفل الصغير او ان يخاطب على هذا النحو او يوبخ بعنف او يذل بطرق مختلفة في حين انه يتم اشباع النزعة السادية بالوسائل المقابلة اي ايذاء الاخرين بدنياً وتوثيقهم بالحبال والاصفاد او اذلالهم بالافعال والاقوال، ومن هنا ذهب بعض علماء النفس وكذا بعض علماء الاجتماع الى القول انه اذا كان هناك اباس يسعون الى الخنوع والاستسلام للآخرين فلابد ان تكون هناك ما اسموه بغريزة تستهدف تحقيق هذا الهدف وقد اعتقد فرويد ان هذا الميل هو نتيجة لما اسماه غريزه الموت بيد ان الفرد ادلر هو الذي وضع هذه الميول في قلب مذهبه لا على انها ساد وماسوشية بل على انها الشعور بالدونية من ناحية والرغبة في القوة والسيطرة من ناحية اخرى.
اتخذت هذه العلاقة الثنائية ابعاداً اجتماعية اكثر عمقاً على يد اريك فروم اذ قام بعرضها في كتابه فرار من الحرية فعمل على تحليل الشخصية الماسوشية المرتكزة على الخوف الممتلاءة رعباً من الوحدة واللاجدوى بأعتبار ان الفرد الخائف او المذعور يبحث عن شخص ما او شيء ما يربط به ذاته فهو لا يطيق ان يكون ذاتاً فردية فيحاول وهو في حالة هياج شديد ان يتخلص منها وان يشعر بالامان من جديد عن طريق التخلص من هذا العبء اي الذات.
والماسوشية هي طريق لهذا الهدف اذ يسعى الفرد في النزعات الماسوشية الى الخضوع لشخص ما او قوة او سلطة يشعر انها تغمره بقوتها فأذا استطاع الفرد ان يصل الى تحقير ذاته الفردية بحيث تتحول الى لا شيء استطاع في الوقت ذاته ان ينقذ نفسه من هذا الصراع ويكون اشعور بالضآلة والعجز هو الطريق الى الخلاص، واذا وجدت الشخصية الماسوشية نماذج حضارية او ظروف اجتماعية مناسبة كالخضوع لزعيم او قائد كما هو الحال في نظم الطغيان يمثل القوة التي تبتلعه فأنه يشعر بالامان لا سيما اذا وجد نفسه متحداً مع ملايين غيره يشاركونه هذه المشاعر نفسها ذلك ان الشعور بالعجز والتفاهة واللاجدوى هي عناصر اساسية في الشخصية الماسوشية.
ومن اجل التغلب من الشعور بالدونية تحاول هذه الشخصية ان تصبح جزءاً كل اكبر واعظم واشد قوة خارج ذاتها تنغمس به وتشارك فيه وقد تكون هذه القوة هي الزعيم او المؤسسة او الامة وما الى ذلك وعندما يصبح جزءاً من هذه القوة او من هذا الكل يشعر هو نفسه انه غدا شخصية قوية وخالدة وعظيمة وثابتة ولا تهتز ومن ثم يتخلى عن ذاته وعن قوته الخاصة وعن كبرياءه وعن حريته ويحظى بكبرياء جديدة وامان جديد من خلال مشاركته في هذه القوة التي ينغمس فيها والتي تنقذه من تحمل المسؤولية واتخاذ اي قرار بشأن حياته ومعناها او تحديد مصيره، ان كل ما يعن له من اسئلة يجد لها جواباً عن طريق علاقته بالقوة التي ارتبط بها فسيده هو الذي يحل كل مشكله ويجيب عن اي سؤال وهكذا يتحدد معنى حياته وهويته وذاته بوسيلة الكل الاكبر الذي يغمره ويضيع في داخله.
*******