وقال ابو نادر : ليس من المبالغة التأكيد على أن انتصار المقاومة اللبنانية في أيار عام 2000 حين أجبر قوات الاحتلال على الانسحاب دون قيد أو شرط ليلا من جنوب لبنان وما حول كان قد شكل أول انتصار عسكري غير مسبوق في أبعاده ومضاعفاته على الكيان الاسرائيلي، وأول تدمير لبنية المشروع الصهيوني العسكرية في فلسطين المحتلة والمنطقة كلها وقد حمل هذا الإنجاز العظيم للمقاومة بكافة أطرافها عددا من الحقائق الواضحة في معانيها وأبعادها.
وشكل الانتصار الثاني للمقاومة في تموز 2006 على أكبر عدوان وحرب إسرائيلية على جنوب لبنان احباط المخطط داغان – شارون ( 2004 -2005 ) في لبنان، وهزيمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلقته "كوندوليزا رايس" وزيرة الخارجية الأميركية أثناء زيارتها الى بيروت في أوج "الحرب الاسرائيلية الثانية" في نفس تموز 2006 على المقاومة في جنوب لبنان، وتصريحها حول مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وهزمت المقاومة قوات الكيان الصهيوني الزائل المدعومة من امريكا الى حد لم تستطيع فيها احصاء خسائرها، وها هي مازالت تلملم جنودها ودباباتها وحطام طائراتها... فما تعرض له كيان الاحتلال من هزائم وانتكاسات رغم العدة والعتاد وحالة الشلل والتخبط التي أصابته، اصبحوا أمام حقيقة وجودية وهي "زوال هذا الكيان".
وفي هذا الصدد اجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث والخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية العميد الركن "شارل ابي نادر"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
** الكثير من الكلام قيل في تحليل هذه الحرب "انتصار حرب تموز 2006"، بالمقاييس العسكرية، ولكنها لا تزال تكتنفها الاسرار والالغاز... فهل جرت تلك الحرب برأيكم ضمن المعادلات العسكرية التقليدية ام اضافت الى العلم العسكري شيئا جديدا؟، وما هو برأيكم؟
نتائج حرب تموز 2006 كانت غير متوقعة، وخاصة بالنسبة لمراكز الدراسات والابحاث العسكرية، والسبب ان هذه المراكز تستند دائما على معادلات تناسب القدرات والاسلحة، والتي كانت طبعا لمصلحة العدو، نظرا للفارق الشاسع بين قدراته وقدرات المقاومة.
ما إضافته هذه الحرب إلى العلم العسكري هو ان الغموض فيما يمتلكه الخصم، يلعب دورا في مفاجأته والانتصار عليه، وهذا ما حصل في تموز 2006 ،حين ادخل حزب الله سلاحا نوعيا جديدا، لم يكن العدو ينتظر انه يمتلكه وهو صاروخ مضاد للدروع المطور كورنيت... حيث تم رمي دبابات العدو على مسافة تجاوزت ٤ كلم، في حين كان الاخير قد ناور وأطلق مدرعاته بعد تأمين حماية مباشرة لها لا تتخطى 2500 متر استنادا لمعلوماته السابقة عن مدى الصواريخ التي يملكها حزب الله.
** حرب تموز فاجأت الرأي العام بالكثير من وقائعها... كما فاجأت العدو ايضا... والسؤال هنا كيف استطاعت المقاومة ان تتفوق تكتيكيا واستخباريا على عدو كان يدعي انه يملك افضل جهاز مخابرات في المنطقة اضافة الى ترسانته الحربية؟، ما هي عناصر قوة المقاومة التي هزمت جيشا جبارا؟
انطلاقا من الإنجاز القتالي الرئيسي الذي حققته المقاومة حينها بتدمير عشرات المدرعات العدوة على محاور كانت اساسية في مناورته الهجومية: "محور الطيبة ومحور الخيام ومحور وادي الحجير، مما أحدث لدى العدو نوع من الارتباك، ودفعه لتغيير مناورته، اي استبدال الهجوم بالمدرعات الى انزال وحدات خاصة مجوقلة في منطقة الغندورية وفرون المطلة على وادي الحجير وعلى الليطاني من جهة اخرى؛ الأمر الذي كانت المقاومة تنتظره ونفذت كمينا للوحدات المنزلة وكبدته خسائر كبيرة"...
الأمر الذي ساهم مع اخفاقات اخرى حساسة للعدو في مارون الراس في بنت جبيل وفي عيتا الشعب، في اتخاذه قرار وقف عمليته الهجومية.
** يُقال ان هذه الحرب غيرت موازين القوى في الشرق الاوسط... وغيرت مجرى الصراع التاريخي في فلسطين وحولها... ما مدى دقة الحديث عن المعادلات العسكرية الجديدة التي فرضتها المقاومة على جيش الاحتلال الاصهيوني؟
طبعا الحرب غيّرت موازين القوى بمواجهة إسرائيل، خاصة انها نزعت منها فكرة المعركة البرية او الهجوم البري، حيث فشلت على كافة المحاور التي حاولت الدخول منها...
لناحية المعادلات العسكرية؛ كسرت المقاومة خلال هذه الحرب معادلة: "من يملك القدرات العسكرية ينتصر"... ولتفرض المقاومة معادلة: "من يملك الايمان والجرأة والالتزام بالقضية وبالهدف ينتصر".
** هل يمكن ان يستفيد لبنان من هذه المعادلات الاستراتيجية العسكرية امنيا واقتصاديا؟ بمعنى هل تعتقد ان المقاومة يمكنها تسييل جزء من نصرها العسكري في معركة ترسيم الحدود البحرية واستعادة ثروتها في النفط والغاز؟
يجب ان يستفيد لبنان من هذه المعادلات العسكرية التي فرضتها المقاومة، لناحية حماية وتحصين سيادته ولناحية حقوقه في المياه والغاز.
عمليا؛ ما حققته معادلة الردع والقوة في هذه المواجهة (البحرية- الغازية) حتى الآن هو إجبار العدو على التفاوض في الوقت الذي كان يعتقد أن لبنان لن يجرؤ على اعادة تحديد حقوقه وحدوده البحرية الحقيقية، بعد أن كانت الحكومة اللبنانية قد راسلت الأمم المتحدة على اساس حدود لبنان الخط 23.
ايضا، معادلة الردع والقوة اجبرت العدو على التفاوض على خط 29 والذي يقطع حقل كاريش، بعد أن كان العدو قد انهى كل إجراءآت التنقيب والمسح والتحضير لاستخراج الغاز من الحقل المذكور.
واليوم، بعد معادلة ما بعد بعد كاريش، لا مفر للعدو من الموافقة على العرض اللبناني او تسوية الأمر الواقع: "حقل قانا مقابل حقل كاريش على أن تُرفع عن لبنان قيود الاستخراج في الحقول والبلوكات الاخرى"...
** حرب تموز كانت ذات ابعاد قومية واقليمية واضحة... فلماذا بتقديرك فشل العرب في التقاط هذه اللحظة الفارقة لتحويل الاتجاه من الاستسلام والتطبيع الى المواجهة وبناء استراتيجية النصر؟ ولماذا واصل قطار الاستسلام طريقه الى حد التحالف مع العدو والتنكر للقيم الاسلامية والانسانية التاريخي؟
يمكن لنا أن نقول وبكل موضوعية، بان اغلب العرب قد تخلوا عن قضية فلسطين ولم يعد يعني لهم شيئا الصراع العربي- الإسرائيلي...
واذا ذهبنا اكثر في هذه المقاربة، يمكننا القول ان بعض العرب وخاصة الانظمة اصحاب ثروات النفط، اصبحوا في جبهة واحدة مع العدو ضد الخط الملتزم بمواجهة الاحتلال والذي يمثله محور المقاومة...