في قراءتنا للفكر السياسي العالمي فيما يتصل بأنظمة الحكم وقفنا من قبل على نوعين من انظمة الحكم الفردية هما نظام حكم الطاغية ونظام حكم الاستبداد بأعتبارهما من اسوء اشكال انظمة الحكم في تاريخ الانسان على الارض وقد عرف الفكر السياسي في تاريخه مصطلحاً آخر يراد به شكل من اشكال الحكم ايضاً هو مصطلح الدكتاتورية فما المراد بهذا المصطلح؟ وما الرابطة بينه وبين الطغيان والاستبداد؟ مصطلح الدكتاتورية روماني الاصل ظهر لاول مرة في عصر الجمهورية الرومانية منصباً لحاكم يرشحه احد القنصلين في الدولة بتزكية من مجلس الشيوخ، ويتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائية فتخضع له الحكومة والقوات المسلحة بكاملها في اوقات الازمات المدنية او العسكرية ولمدة محدودة لا تزيد عادة عن ستة اشهر او سنة على اكثر تقدير وقد كان تعيين الحاكم دكتاتوراً اجراءاً دستورياً وان كان يؤدي الى وقف العمل بالدستور مؤقتاً في حالة الطواريء البالغة الخطورة وهناك امر ان لابد من التنبيه لهما بجلاء:
ووضوح الاول: ان هذا المنصب بمفهومه الروماني يختلف اختلافاً جذرياً عن مفهوم الدكتاتور في العصر الحديث واقرب مثل يقربنا الان من وظيفة الدكتاتور الروماني هي وظيفة الحاكم العسكري العام الذي يعين في اوقات عصيبة تمر بها البلاد لاتخاذ اجراءات سريعة وحاسمة ولفترة محدودة فقط.
اما الامر الثاني: فهو ان طبيعة نظام المدينة في روما كانت تقتضي اتخاذ مثل هذه التدابير الاستثنائية لان هذا النظام لم يكن يساعد على مواجهة الطواريء المفاجئة كالغزوات والكوارث والمؤمرات اذ السلطة موزعة بين قنصلين متساويين ومجموعة من الموظفين ومجلس شيوخ.
وثلاثة: انواع من المجالس العامة ولذلك نص الدستور منذ ان وضع على ان يكون للحكومة الحق في اوقات الطواريء ان توقف سلطات كل هؤلاء الحكام وان تسلم لشخص واحد جرت العادة ان يكون قائداً عسكرياً فيصبح هذا القائد الدكتاتور هو القيم على الدولة في وقت الازمة وتنتهي سلطته الاستثنائية بأنتهاء الازمة ويؤدي عندئذ الحساب عما قام به، وما عدا استثناءاً واحداً فأن الدكتاتور الروماني كان يختار من طبقة الاشراف وانصافاً لهذه الطبقة لابد من القول انها قلما كانت تسيء استخدام هذا المنصب وعادة ما يتقيد الدكتاتور بالمدة المحددة اي ستة اشهر او سنة على الاكثر، ولعل خير الامثلة على ذلك هو سنستاتس الذي هو قائد عسكري ورجل دولة عين دكتاتوراً نحو عام ٤٥۸ قبل الميلاد عندما كان الجيش الروماني في خطر فترك مزرعته وجمع فرقاً من الجنود وقام بمساعدة الجيش حتى انتصر ثم انه تقاعد وكان ذلك كله في خلال ستة عشر يوماً ثم استدعي مرة اخرى وعين دكتاتوراً عام ٤۳۹ قبل الميلاد وقد ادى مهمته ايضاً ثم عاد الى مزرعته، اما الاستثناء فهو سلى الذي عين عام ۸۲ قبل الميلاد دكتاتوراً لمدة غير محدودة وظل في منصب الدكتاتور في اواخر عام ۲۸ قبل الميلاد الى اوائل عام ۷۹ قبل الميلاد والثاني هو يوليوس قيصر الذي اتخذ لنفسه سلطة الديكتاتورية مدة عشر سنوات عام ٤٦ قبل الميلاد ثم اعطيت له هذه السلطة مدى الحياة قبل اغتياله بقليل.
لكن مصطلح الدكتاتورية من العصر الحديث يعني النظام الحكومي الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات وبطريقة غير مشروعة في الغالب ويملي اوامره وقراراته السياسية ولا يكون امام المواطنين سوى الخضوع والطاعة، هذا المصطلح لا يكاد يتميز عن مصطلح الاستبداد وهو في صورته الحديثة يعد مرضاً بالنسبة الى نظام الحكم، فأذا كانت الدكتاتورية تشكل النظام السياسي العادي الطبيعي في بعض البلدان فهي في هذه الحالة اشبه بالمرض المزمن او الامراض المتوطنة واذا كانت الدكتاتورية عارضة في بلد وليست اصلاً فهي كالمرض الطاريء لكنها في الحالتين قد تكون معدية شأنها شأن الاوبئة والطاعون فهذا الشر ظهر قديماً في آسيا الصغرى ومنها امتد وانتشر في جميع ارجاء العالم القديم.
كما ان الطغاة يستفيد بعضهم من بعض فيما يلجئون اليه من طرق واساليب ومن هنا كانت العدوى واردة في الطغيان ايضاً اما الوباء الكبير فأنتشار النظم الدكتاتورية فقد ولد مع الثورة الفرنسية عام ۱۷۸۹ وما تزال امتدادته باقية الى اليوم.
ومثلما يكون الطغيان لفرد او لجماعة فالدكتاتور قد يكون فرداً كما رأينا وقد يكون جماعة كما سمي في الكفر الماركسي التالف بدكتاتورية البروريريستاريا اي الطبقة العاملة وهو مصطلح استخدمه ماركس وتبناه لوربلانكي الذي كان قد كتب عن الحاجة الى ديكتاتورية ثورية، وكان ماركس يتهرب من توضيح ما يعنيه بهذا المصطلح وهو يتحدث فقط عن حكم البروريريتاريا، ثم اتخذ المصطلح فيما بعد دلالات واسعة في الفكر الماركسي ليدل على طبيعة سلطات الدولة خلال فترة التحول من الثورة الى المجتمع الشيوعي الموهوم.
تحدثنا عن نظام الحكم الدكتاتوري في معناه الحديث فأذا هو من اسوء الانظمة الحاكمة التي جربها الانسان حين اهمل رسالة السماء واعرض عن نظام العدالة الالهية التي بعث بها انبياء الله (سلام الله عليهم) وغير الطغيان والاستبداد والدكتاتورية هناك نظام حكم ارضي وضعي آخر يقال له الشمولية ويراد به اذابة جميع الافراد والمؤسسات والجماعات في كل اجتماعي مثل الشعب او الدولة عن طريق العنف والارهاب ويمثل هذا الكل قائد يجمع في يديه كل السلطات وهو في غالب شخصيته له قدرة على جذب الجماهير فيطيعونه طاعة مطلقة والامثلة على هذا الشكل من الحكم عديدة منها ايطاليا في عهد موسوليني والمانيا في عهد هتلر واسبانيا في عهد فرانكو.
ويمكن تلخيص ابرز خصائص هذه الشمولية بالنقاط الآتية:
اولاً: انها تتمسك بالظاهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها على اعتبار ان الاساس الوحيد المقبول لشرعية الحكم هو قبول المحكوم بالحاكم وموافقته عليه.
ثانياً: ان التعبير الحقيقي لحرية الرأي في لمذهب الشمولي هو ان ارادة القائد هي نفسها هي ارادة الشعب ولكي يثبت القائدة الشموليون ان ارادتهم هي ارادة الشعب يلجئون الى اسلوب الاستفتاء العام والتصويت التهليلي وبهذه الطريقة المضحكة يستخرج القائد الملهم من قبعة الدكتاتورية ارنباً اسمه حرية الرأي.
ثالثاً: ان القائد يعبر عن ارادة الشعب ولكن كيف تتكون ارادة الشعب وكيف تتحدد، ان مظاهر التلاعب بمشاعر الجماهير والسيطرة على الشعب بأسم الديمقراطية قديمة قدم الديمقراطية نفسها.
ومن هنا تحدث مل وتوكفل عن طغيان الاغلبية بأعتبار هذا الطغيان ادهى وامر من جميع ضروب الاضطهاد السياسي وقد استغل الشموليون هذه النقطة فأتجهوا الى مشاعر الناس لا الى عقولهم واكتسبوا التأييد من خلال تعطيل العقل والهاب المشاعر والحماسة بالخطب واللافتات والشعارات الكبرى.
رابعاً: الاستفادة من تحديث وسائل الاعلام والاثارة والترغيب والترهيب للتأثير على الجماهير وتحقيق التطابق المنشود بين ارادة الشعب وارادة القائد وهكذا تستخدم التقنية الحديثة من قبل الدكتاتوريات الحديثة لتزييف مبدأ القانون وصولاً الى مبدأ الخضوع لارادة القائد واعتبار هذه الارادة معياراً مطلقاً ونهائياً للخير والشر وللحق والباطل، وهكذا نصل الى مفارقة غريبة هي ان حركات الشعوب التي كانت تستهدف الاطاحة بالطغيان تخلق هي نفسها طغياناً من نوع جديد وهو طغيان الجماهير.
*******