وصدر حديثًا عن المؤسسة الدولية للكتاب بالقاهرة كتاب "نوادر المخطوطات القرآنية ورسمها العثمانى وأوجه الإعجاز فيها" للدكتور عبد الرحيم خلف عبد الرحيم أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآداب التابعة لجامعة "حلوان" المصرية يرصد المصاحف المخطوطة وأهميتها الدينية والأثرية والفنية، فهي الوعاء الذي حفظ كلمات التنزيل الكريم والدليل على عدم التغيير والتحريف أوالزيادة والنقصان فيه كما تعد هذه المخطوطات الشاهد على العلامات التى وضعها العلماء لتسهيل القراءة وعدم اللحن فيها مثل علامات الشكل والإعجام والوقف والوصل والغنة والإدغام والإقلاب والسكوت والتنوين.
ويعرض خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار معالم هذا الكتاب الهام موضحًا أهمية المخطوطات كبيرة الحجم للمصحف الشريف بدرجة يصعب معها القراءة فيها بالشكل التقليدي أو ملفوفة طويلة (رول) يصل طولها إلى 11م والتى ظهرت منذ بداية العصر الإسلامي حيث الحاجة ماسة إلى تدوين ونقل كلام الوحى (القرآن الكريم)، حرفًا حرفًا وكلمةً كلمةً بدقة تامة للأجيال المتعاقبة، وكان لتنافس حكام وأثرياء وخطاطي الدول الإسلامية المختلفة على مر التاريخ الإسلامي دور بارز فى ظهور هذه النماذج الفريدة من عصر الرسول الكريم صلوات الله عليه والخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين وفى شرق العالم الإسلامي مثل الدولة الإلخانية والتيمورية والمغولية الهندية إضافة إلى غرب العالم الإسلامي، وكان لهذه المراكز العلمية والفنية دور كبير فى الاهتمام بالمصحف الكريم، وهناك دراسات سابقة تناولت موضوع المصاحف المخطوطة لكن ليس هناك دراسة متخصصة شاملة لجميع جوانب موضوع المصاحف المخطوطة غير التقليدية وأهم سماتها وأنواعها وأهم نماذجها وصناديق حفظها والعوامل التى ساعدت على ظهورها، ومن هذا المنطلق جاء كتاب الدكتور عبد الرحيم خلف ليتناول هذه الجوانب بالتفصيل.
وينوه الدكتور ريحان إلى محتويات الكتاب الذى يتضمن مقدمة وتمهيد وستة فصول، تشمل المقدمة تعريفًا بفكرة الكتاب وأهميته وأهدافه وأهم الدراسات السابقة وأهم محتويات الكتاب، بينما يشمل التمهيد إلقاء الضوء على وعي وإدراك المسلمين بأهمية حفظ المصحف وعدم اختلاف نسخ المصاحف أو اختلاف القراءات فيها وهو ما حفظ القرآن الكريم من التحريف والاختلاف وجهود المسلمين فى الحفاظ على المصحف الشريف وابتكار نماذج مبتكرة وغير تقليدية والعوامل المساعدة على ذلك، سواءً فى شرق العالم الإسلامي أو غربه.
جاء الفصل الأول بعنوان "المصحف الأول والأهم فى التاريخ" ويختص بالمصحف الذى أشرف عليه الرسول(ص) بنفسه ومكانة هذا المصحف، والمنهج المتبع فى تدوينه وترتيبه وحفظه ومواد الكتابة التى كتب عليها وحجمه وأهم كتّاب الوحي الذين قاموا بتدوينه ودور هذا المصحف فى جمع المصحف الذى قام به الخليفة الأول أبو بكر الصديق والجمع الذى قام به عثمان بن عفان، الفصل الثاني بعنوان "القرآن الكريم كتب بأربعة عشر حرفًا فقط هى الحروف المقطعة (فواتح السور)". ويتناول الباحث فى هذا الفصل فى ضوء النماذج المبكرة للمصحف الشريف الحروف المقطعة الأربعة عشر (الم . الر . حم. ق. ن . ...الخ) بعد حذف الحروف المكررة وكيف أن هذه الحروف الأربعة عشر هى نفسها حروف الرسم المصحفى.
وتناول الفصل الثالث بعنوان "المصاحف المخطوطة كبيرة الحجم وأهم حافظاتها" المصاحف غير التقليدية ذات أحجام وأوزان كبيرة التى يصعب حملها والقراءة فيها بالشكل التقليدى، وأهم النماذج التاريخية وأحجامها والعوامل التى أدت إلى ظهورها والغرض منها، وأشهر المتاحف والمكتبات التى تضم هذه النماذج وأهم صناديقها وحافظاتها والكراسي الخاصة بقراءتها، بينما اشتمل الفصل الرابع بعنوان "المصاحف المخطوطة دقيقة الحجم وأهم نماذجها وحافظاتها" ظاهرة المصاحف صغيرة الحجم والمكتوبة بخط دقيق جدًا، وهو الخط المعروف بالغباري ولا يمكن قراءتها بالعين المجردة فى كثير من النسخ، ولذلك نجد عدسة للتكبير مصاحبة لبعض هذه النسخ، وتمتاز هذه المصاحف بتعدد أشكالها إذْ ظهر منها المربع والمستطيل والمثمن والشكل الدائرى ولم يقتصر على الأشكال المعروفة، كما تميزت هذه النسخ بزخارفها الهندسية والنباتية وكثير منها استخدم فى تزينه التذهيب، وتتمتع كثير من نسخ هذا النوع بنماذج متميزة كما يرتبط لهذه النسخ من المصحف الشريف أنواع رائعة من الصناديق الحافظة منها صناديق من الذهب والأحجار الكريمة ومنها ما يأخذ الشكل المعمارى لقبة الصخرة بالقدس الشريف.
شمل الفصل الخامس بعنوان "المصاحف المطوية (الرول) وأهم خصائصها" نشأة المصاحف المطوية أو الملفوفة (الرول) وأهم خصائصها وترتيب السور فيها وأهم الخطوط المستخدمة في كتابتها والألوان التى تزينها وأهم حافظاتها وأشهر نماذجها فى المكتبات العربية والعالمية، والفصل السادس بعنوان " أشكال مبتكرة للمصاحف الشريفة " ضم عددًا من النماذج التاريخية المبتكرة للمصحف الشريف بخلاف النماذج السابقة، ومن هذه النماذج المصاحف المدونة على جدران المساجد والبيمارستانات والمصحف اللوحة الواحدة (مدون على لوحة واحدة)، والمصاحف الزرقاء المكتوبة بماء الذهب والمصاحف الأندونيسية والآيات القرآنية المكتوبة على حبات الأرز والقمح إضافة إلى المصاحف ثنائية اللغة (العربية واللاتينية) التى ظهرت مبكرًا فى أوروبا ومناقشة قضية ترجمة المصحف الشريف وسبب ظهورها.
ويختتم الدكتور عبد الرحيم خلف كتابه بأهم الجوانب التى تم مناقشتها فى هذه الدراسة فيما يخص كتاب الله الخالد، الذى حظي بالمكانة الأولى من الاهتمام من جانب جميع المسلمين منذ نزوله على الرسول الكريم وهو ما حافظ على هذا الكتاب من التحريف والتغيير وأصبحت مخطوطاته من الكثرة والإبداع والتنوع بحيث لا ينافسها أي كتاب آخر.
المصدر: البوابة نيوز