وقال الحكيم في خطبة عيد الأضحى المبارك التي أقيمت في مكتبه ببغداد تابعتها: "نشهد هذه الأيام حراكاً سياسيا لتشكيل الحكومة بعد أكثر من تسعة أشهر من إجراء إلانتخابات المبكرة، هذه إلانتخابات التي شابها الكثير من الإشكاليات والملاحظات، ومازالت تعاني من تداعيات وانعكاسات سياسية ليست بالسهلة او العابرة".
وأضاف "لابد من الإضاءة على هذه الإشكاليات وأخذ ما تقتضيه بجرأةٍ وحسم للحد من تكرارها والوقوف طويلاً عند المعرقلات التي تؤدي الى إلانسداد السياسي بين مدةٍ وأخرى في المشهد العراقي فقد إختلفت الظروف كثيرا وأصبحت التحديات التي تمر بنا أكثر تعقيداً وخطورةً".
وأكد انه "حان الوقت للذهاب نحو الترشيق والتصفير السياسي للترهلات المعطلة التي واكبت العملية السياسية في العراق ولاسيما أن المنطقة تشهد تغييراً حقيقياً في الكثير من المعطيات السياسية والعراق ليس ببعيد عن ذلك بل إنه في قلب الأحداث بما يمثله من ثقل إقليمي وعمق تاريخي كبيرين".
وشدد "لابد أن ننظر الى الشأن المحلي في العراق وما يحيط به من أحداث إقليمية بنظرة متوازنة حكيمة تشخص الأخطاء والمشاكل من جهة وتلاحظ الإيجابيات والفرص من جهة أخرى".
وفي الشأن المحلي.. أشار الحكيم الى عدة نقاط أبرزها:
أولا: دعم خيار المعارضة البرلمانية الإيجابية وتقويتها.
وقال "إذ يجب تقوية نظامنا البرلماني من داخل البرلمان نفسه من خلال تعزيز العمل النيابي في مسارين أحدهما يأخذ على عاتقه عملية تشكيل الحكومة وتحمل تبعاتها. والأخر يتجه نحو المراقبة والتقويم والإضاءة على نقاط الضعف في العمل التنفيذي للحكومة فالتوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية يعد جوهر النظام البرلماني وعلى الناس أن تجد البديل من داخل البرلمان نفسه في أي لحظة يكون التغيير ضرورةً وحلاً".
وأكد انه "ليس من الصحيح مشاركة الجميع في الحكومة كما أنه ليس من الصحيح تنصل الجميع عن دعم الحكومة وتحمل تبعاتها فلابد من وجود جهة برلمانية داعمة ومؤسسة لتشكيل الحكومة وجهة أخرى مراقبة ومحفزة إيجابيا ضمن فضاء الديمقراطية ودولة المؤسسات".
وبين الحكيم انه "وبعكس ذلك لن نجد إستقراراً سياسيا لهذا النظام وسنبقى في دوامة التعويم ومراكمة الإخفاق ورمي الجميع في خانة الفشل مما يزيد من إحباط المواطن تجاه النظام السياسي وإفراغ شرعية النظام من دعم المواطن وإلتزامه بواجباته ومسؤولياته تجاه بلده".
وأوضح إن "عدم تقوية المعارضة وتمكينها من داخل البرلمان يعطي الذريعة لنقل الإعتراضات والملاحظات الى خارج قبة البرلمان مما يعرض البلد الى متاهات جديدة من الاضطراب والسخط الشعبي والتعبير عنها بسبل تزيد التحديات تعقيداً مما يصعب السيطرة عليه".
ثانيا: تشكيل حكومة خدمية متوازنة وطنياً
وشدد الحكيم على "الإسراع في تشكيل حكومة خدمية متوازنة وطنيا بما ينسجم مع حجم التحديات الكبيرة التي تحيط بالعراق من جوانب عدة أبرزها التحديات الإقتصادية والبيئية والإجتماعية فقوة أية حكومة تعتمد على قوة وتماسك التحالف البرلماني المشكل لها وهو ما يوجب أن يكون التحالف الحكومي متوازناً وطنيا ومعبراً عن أغلبية المكون الأكبر الذي يأخذ على عاتقه إنجاح مهمة الحكومة وتنفيذ منهاجها الوزاري".
وأوضح إن "الظروف الحالية التي تحيط بمهمة تشكيل الحكومة تختلف عن الظروف السابقة وفيها من التحديات السياسية التي تستوجب الإنتباه لها والحذر من التغافل عنها".
كما أشار الحكيم الى عدة نقاط أبرزها:
1- إن إنسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان لا يعني خروجهم من المشهد السياسي فهم يمثلون شريحة كبيرة من شعبنا لطالما كانت لهم صولات سياسية وخدمية تستحق الشكر والإعجاب وكنا نتمنى أن يتريث السيد مقتدى الصدر في قراره الأخير لما نمر به من فترة حرجة وحساسة.
وبين "إن خروجهم من البرلمان لا يعني خروجهم من المسؤولية الوطنية التي تستدعي وقوف الجميع لدعم بناء الدولة ومواجهة التحديات".
2- ليس من الضروري أن يكون هناك تغيير جذري للحكومة الحالية هناك إيجابيات تحققت في هذه المدة وهناك مؤسسات حكومية أثبتت فاعليتها فلنعمل على تراكم النجاح ونركز على معالجة الخلل وسد فجوات الضعف وليكن همنا الاؤل هو مواجهة التحديات الخطيرة التي تحيط بنا وبالمنطقة، إذ إن التغيير الشامل يتطلب وقتا يزيد من تعقيد المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم إلا إذا كانت هناك رؤية واضحة وإتفاق سياسي جامع يسهل من عملية تشكيل حكومة جديدة قادرة على تلبية إحتياجات المرحلة الحالية.
3- ندعو الإخوة في إقليم كردستان ونحثهم على الإسراع في حسم مرشح رئاسة الجمهورية وأن ينظروا إلى هذا الإستحقاق الوطني بمسؤولية كبيرة،كما عهدناهم في سنوات النضال ومراحل تأسيس العملية الديمقراطية في العراق فمنصب رئيس الجمهورية يعني العراقيين جميعا وليس الإخوة الكورد وحدهم وهو أكبر من أن يكون إستحقاقاً لمكون من مكونات البلد بل هو ضمانة لوحدة العراقيين وصمام الأمان لصيانة الدستور وسيادة المصالح العليا للشعب.
4- نجدد دعوتنا لضرورة إصدار (وثيقة البناء الإستراتيجي للبلد) التي تتضمن مدداً زمنية ملزمة للحكومة التي يتم منحها الثقة البرلمانية ومحاسبتها في نسب الإنجاز وعلى الحكومة المقبلة أن تبين أولويات ذلك البناء الإستراتيجي في برنامجها الحكومي، فلا يمكن أن نحقق كل شيء في مدة قصيرة ولابد أن تركز الحكومة على أولويات محددة ضمن مدد زمنية واضحة لتتمكن الحكومة التي تليها من إكمال ما أنجزته ومواصلة تنفيذ ما وضعته من أسس صحيحة، وهكذا نستطيع أن نراكم على النجاحات المتحققة ونعزز خطوات البناء برؤية واضحة ومستقرة.
5- إننا في تيار الحكمة الوطني نجدد موقفنا بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة وهذا لا يعني عدم دعمنا للخطوات التي تسهم في تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لكننا إخترنا التركيز على العمل البرلماني ورفد الاخوة الشركاء في العمل السياسي بأي ملاحظة تسهم في إنجاح مهمة الحكومة القادمة.
ثالثا: الإصلاح السياسي الشامل
وأعلن الحكيم ان "الجميع متفق على أن العملية السياسية في العراق تحتاج الى إصلاح سياسي شامل وعلى الرغم من وجود الإتفاق الوطني بشأن ذلك، إلا أن هناك إختلاف في وجهات النظر حول كيفية البداية وآليات المعالجة وهذا الإختلاف قطعاً يؤثر في إرادة التنفيذ ويعرقل عملية المضي بذلك الإصلاح الذي بات ضروريا في المرحلة الراهنة وهنا أحذر من التمادي في تأخير عملية الإصلاح لأن ذلك سيعرض النظام السياسي القائم الى منزلقات خطيرة لن يسلم منها أحد وأكرر (لن يسلم منها أحد)".
ودعا الحكيم وإنطلاقا من المسؤولية الوطنية الى تحقيق الخطوات الآتية:
1- ان يُجرى تعديل حقيقي وعادل للقانون الإنتخابي الحالي بما يحقق العدالة المطلوبة في تمثيل الدوائر لاسيما بعد الثغرات الكبيرة التي كُشف عنها في هدر الأصوات وعدم مراعاة التمثيل الحقيقي لبعض المناطق من خلال دمجها بدوائر أخرى كما يجب إعادة النظر في ألية العد والفرز الالكتروني في الإنتخابات وعدم تكرار المهزلة الإلكترونية التي تعرضنا لها في الإنتخابات الأخيرة التي كادت أن تعرض البلد الى منزلقات خطيرة لولا رعاية الله تعالى وحكمة الخيرين في هذا البلد.
2- تشكيل مجلس أعلى للإعمار في البلد يتألف من خبراء في الإقتصاد والتخطيط والإعمار يأخذ على عاتقه تحديد المشاريع ذات الأولوية الإستراتيجية لاسيما في مجال البنية الإقتصادية والصناعية والزراعية ومواجهة كابوس البطالة بين صفوف الشباب فكل دولار يتم تقليصه من حجم الإستيراد الأجنبي سيمكن الدولة من توفير فرص عمل محلية إذا ما كانت هناك رؤية حقيقية وبنية إقتصادية قوية ومتماسكة.
3- صياغة قوانين رادعة بحق المتسببين بهدر المال العام وأعطاء صلاحيات واسعة للأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة غسيل الأموال والرشوة وجميع مظاهر الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة.
4- تفعيل مجلس الإتحاد حسب ما نصّ عليه الدستور فهناك خلل حقيقي في صياغة السياسات العامة للبلد وهناك تقصير واضح في دور الرقابة البرلمانية المطلوبة، كما هناك تفاوت كبير بين إستحقاق المحافظات لاسيما بعد تجربة مجالس المحافظات المعروفة وغياب تمثيلها لمدة طويلة.
5- حسم القوانين المصيرية ضمن توقيتات واضحة لاسيما قانون النفط والغاز بما يضمن حضور الإقليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في إدارة الشأن النفطي ووحدة السياسة النفطية في البلاد وإدارتها الإتحادية ويعزز مكانة العراق الإقليمية والدولية.
أما فيما يخص الشأن الإقليمي والدولي، فأوجز الحكيم بنقاط أساسية:
1- إن التحديات والفرص التي تمر بها المنطقة لا تقتصر على دولة دون أخرى، فهناك مصير مشترك يربط شعوبنا العربية والإسلامية معا والتجارب الماضية أكدت وتؤكد أنه إذا إشتكت دولة ما من أزمة سياسية أو أمنية أو إقتصادية فإن الجميع سيكون معرضاً لذات الأزمة، وإن تفاوتت الأضرار فالعالم بات قرية صغيرة ومن الصعب حصر الإزمة في مكان واحد لذا من الخطر أن تتشكل تحالفات إقليمية أحادية غير متوازنة فهذا سيعرض المنطقة إلى مزيد من التفكك وضياع الفرص البناءة في تهدئة المنطقة والذهاب نحو الإستقرار.
2- إن للعراق دوره المحوري والمهم في دعم إستقرار المنطقة وعلينا الإنطلاق من هذه الثقة بما يمتلكه العراق من فرص تاريخية حقيقية في ممارسة الدور المطلوب لبلد مثل العراق بما يملكه من ثقل إقليمي وعمق تاريخي يمكنه من لعب دور محوري بين أشقائه العرب والدول الإسلامية في المنطقة على أن يبقى العراق ضمن منطق الحياد الإيجابي بعيداً عن التخندق مع الصراع والتفكك!
3- نجدد تأكيدنا على ضرورة إيجاد الحلول السريعة الحاسمة بخصوص ملف المياه مع دول المنبع وبالأخص الجارة تركيا فلدينا أزمة حقيقية في ملف المياه وإن ترك الأزمات من دون حلول عملية سيصعب الأمر كثيرا مستقبلا خاصة مع دولة جارة تربطنا معها الكثير من وشائج الأخوة والمصالح المشتركة.
4-إن إستمرار الأزمة الروسية الأوكرانية مع عجز المجتمع الدولي عن إيقاف هذه الحرب المستنزفة للطرفين يدق ناقوس الخطر للمنطقة والعالم فنحن أمام معطيات جديدة في تشكيل نظام عالمي يقوم على مبدأ الغلبة الإقتصادية والعسكرية وتشكيل تحالفات إقليمية أحادية وإستقطاب دولي جديد وهذا يعني مزيداً من التحديات الإقتصادية والأمنية في المستقبل القريب.
ودعا الحكيم "جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مواجهة آثار هذا التشكيل العالمي الجديد وتجنيب دول المنطقة الآثار السلبية والخطيرة على أمن شعوبنا ومستقبل أجيالنا وثروات بلادنا".
وأختتم خطبته بالقول :"حفظ الله شعبنا وشعوب المنطقة والعالم من كل سوء وحفظ الله مراجعنا العظام ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ورحم شهداؤنا الأبرار برحمته الواسعة ولاسيما الشهيدين الصدرين وشهيد المحراب وعزيز العراق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".