البث المباشر

معجزة معاجز نبي الرحمة(ص)

السبت 26 يناير 2019 - 11:39 بتوقيت طهران

الحلقة 82

في ضمن لقاءاتنا يجمعنا اليوم افق من افاق السيرة النبوية‌ الشريفة ونحن في شهر المولد المبارك الكريم هو ذا نحن الان مع المدينة، مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا اللقاء الجديد، الناس في المدينة يروحون افواجاً ويغدون افواجاً والغبطة على وجوههم بهذا الحدث المجيد وهم وان لم ينصبوا قوس النصر فقد كان في معناه في قلوبهم المواجة بكبرياء العقيدة وكبرياء المعنى ذلك ان هذا اليوم يوم الظفر ببدر، عذت المدينة منذ هذا اليوم بلد العقيدة والدولة بعد ان ظلت زمناً وهي بلد العقيدة وفازت بتجربتها الرائعة فلن يكن النصر في واقعة بدر تسجيلاً لهزيمة فريق وظفر آخر بل كان تسجيلاً لظفر الانسانية الجديدة المحررة على الحالة المهترءة العتيقة حالة الاغلال والقيود وحالة الاستعباد الوحشي المنكر، هذا الظفر هو في الواقع ظفر العقيدة التوحيدية وظفر الروح المتطلعة وظفر الاخلاق المعنوية الرفيعة على المادية الوضيعة والاباحية الجامحة، وكان يوم بدر يوم تحرير الانسان من شتى العبوديات الدينية والاجتماعية ويوم تجديد الانسان وانشاءه جديداً.
غدت المدينة بلداً جديداً فلن تعد يثرب القديمة التي كانت كغيرها وكراً من اوكار الفكر البالي والعقلية الجامدة ذات اللون القاتم الذي كان يشيع في جزيرة العرب، ولم تعد بعد اليوم مركزاً للنظام الاجتماعي الموروث من شرائع الغاب حيث الشعب ضحية الطبقات وهؤلاء جميعاً ضحايا فرد مستبد يلاشي كيان الامة في كيانه ويحول تيار النشاط في الشعب الى ما يغذي اطماعة ويشيع ميوله واهواءه، غدت المدينة منذ اليوم مركز الفكر الناهض والشريعة التي تبدل بالاصلاح كل ميدان من ميادين الاجتماع وغدت مركز الدولة الحية الجديدة التي بدأت تنزع الاغلال عن كل انسان في كل مكان، كان في افواه الناس حديث واحد كله الاعجاب منذ تسنى لفئة قليلة ان تحطم حملة كاملة جهزتها مكة وخطورة النصر واهميته ترجع الى ان المعركة لن تكن من نوع المعارك التي تحدث كثيراً وتقع كثيراً وانما كانت صراعاً بين مبدئين ومنهجين وحياتين وقد انتهى الصراع بغلية الصالح الحي منهما فشاع في الناس نوع من الفرح الروحي الغامر.
كان الظفر الذي حققه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظفراً‌ سريعاً موفقاً، ما يلبث ان يتخطى حدود المدينة ومكة ليشمل الجزيرة كلها بمنهجها التوحيدي وتعاليمة الانسانية الواقعية البناءة التي بلغ من مدى فاعليتها انها تحقق لنفسها الانتشار السريع دونما دعاية وتبشير، والمدهش في العمل النبوي انه اعتمد على الهزة في الواقع السائد وزلزلة المعتقدات المألوفة ليهيء الناس الى تلقي مباديء التوحيد والعدالة الالهية التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) ولتنفتح قلوبهم وعقولهم على احتضان الحق وكذلك لم يعمد النبي الى تصحيح تفاصيل الاوضاع القائمة واحدة بعد اخرى كما يفعل عادة المصلحون بل انه قصد الى تصحيح فكرة الناس عن الحياة والوجود والانسان فكان عمله في الجذور وكان تغييره في القواعد والاساس الذي تبنى عليه كل التفصيلات.
المصلحون عادة ما يصححون الاوضاع ويشيعونها في المجتمع وروحية الجماعة لم تزل غارقة في الاوحال والامراض ولم تزل تالفة اشد ما يكون التلف، فلا تلبث الاوضاع ان تفسد بفساد روحية الجموع ويقع الانتكاس في المجتمع وتعاودة الحمى فلا يكون المصلح غير نجم التمع فجأة ثم ابتلعه سواد الليل ولكن عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن من طراز هؤلاء ذلك انه عمد الى الاساس العميق فغير رؤية الانسان عن الوجود والمصير الانساني ثم صحح النظم والعلاقات فكان ذلك ضمانة لعمله ان يبقى الى آخر الزمان.
وقد كشفت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) عن قضايا الحق الاولى وكشفت عن مكانها في كل دين من اديان السماء رغم كل الحجب التي كانت تفصل بينها في الناس فأعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس على اختلافهم وحدة الاديان الالهية في اصولها الرئيسة واعلن ان قضايا الحق الاولى واحدة في كل دين وهي لا تتغير الا اذا جاز لناموس الطبيعة ان يتغير، واعلن ايضاً ان ما يظنه الناس لباباً هو قشور فقط تحجب وجه الحقيقة وتشوه الواقع، وهكذا غيرت عقيدته العظيمة نفوساً جمة فصنعت من الضعف قوة لا تحد بعد ان كانت هذه النفوس ضعفاً لا يتصل بقوة ذلك ان المعتقد الالهي التوحيد المنزه يصنع الحياة والحياة تصنع القوة فلا قوة بدون معتقد يبث الطاقة والحياة جميعاً.
برز من بين الذين حول رسول الله (صلى الله عليه وآله) شخصية كبيرة عظيمة، كبيرة في معنوياتها وكبيرة في اعمالها وكبيرة في كل شيء ذلكم هو علي بن ابي طالب (سلام الله عليه) الذي آثار اعجاب العالم ودهشة الاولياء والاعداء بما تراءى فيه من سيماء التوحيد المطلق الذي لا يدان وبما تراءى فيه من ملامح العدل المطلق الذي لا مهادنة معه وبما تراءى فيه من مظاهر القوة المدهشة والكفاح المستميت والشجاعة التي لم تسمع بمثلها آذان التاريخ، وكان من بصيرة علي (عليه السلام) واستبساله في نصرة مباديء الحق ما جعله في بدر الكبرى امة من الابطال كأنها تنطلق في كل مجال اذا انطلق فمن كل وجه علي ومن كل صوب علي نفسه حتى جرى كل لسان، ان فتى قريش هزم الجموع من قريش، كانت سيماءه الناطقة بالصلابة والعزم القوي رغم حداثته مما القى في روع كل من عرفه التجلة له والتعظيم، ولا غرو فعلي (عليه السلام) هو من تزمل في فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة ايهاماً لقريش الباغية في ساعة حقدهم المتفاحل وفي ساعة تآمرهم لقتل النبي (صلى الله عليه وآله)، انها مغامرة عظيمة، ربما ظنها البسطاء اقل شأناً من استبساله في معركة بدر لكنها قد تبدو من وجهة العقيدة اعظم شأناً وقد لا يعدلها موقف ذلك ان الاستبسال عند غير علي قد تولده حماسة المشهد واصوات الجموع الهائجة، قد تولده خيلاء الذاتية في موقف لا مفر من الظهور فيه وكثيراً ما بدلت هذه المشاهد نفسية الجبان كما انها لا تدل على اثر العقيدة دائماً، ولكن حادثة المبيت الخطير المحفوف في سيوف الفتك الجاهلية الحاقدة هي مغامرة ‌العقيدة المجسدة فقد كانت تعريضاً للنفس بدون اتخاذ اجراءات للدفاع وليس فيها في ظاهر الامر انفعال ينسي المرء ذاته ويدفعه الى عدم المبالاة دفعاً قسرياً، وهي حادثة تعبر عن اندكاك تام بالرسالة وبالرسول وتدل على تفاني واقعي لا يرى الا الحق ولا يعيش الا الحق ولا يبتغي الا الحق.
ان فتى قريش انما ايمان كله في اعلى الدرجات وفي ارفع المراقي والافاق وهو الظل الالصق بصاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله) وصنوه واخوه، والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة