السيد حيدر الاملي من اعلام القرن الثامن الهجري عالم من طراز فريد ومؤلف دقيق النظر بعيد الغور، عني اكثر ما عني بالكشف عن اسرار عميقة في المعتقد التوحيدي الاسلامي الاصيل تشهد له بذلك مؤلفاته الكثيرة التي وصل الينا عدد منها مثل المحيط الاعظم في تفسير القرآن واسرار الشريعة وكتابه المهم جامع الاسرار الذي اخترنا منه لك اخي المستمع الكريم هذه المعاني في علم التوحيد، قال العالم المتبصر السيد حيدر الاملي: اعلم ان للتوحيد فضائل كثيرة واوصافاً جمة بحيث تكاد تخرج عن العصر واهم هذه الاوصاف والفضائل ان تعرف ان الوجود كله واقع على التوحيد مشتمل على مراتبه وان جميع الموجودات مجبولة عليه مخلوقة لاجله وان جميع الانبياء والاولياء (عليهم السلام) ما بعثوا الا لاظهاره ودعوة الخلق اليه وان مدار جميع المقامات ظاهراً وباطناً منوطة به وبمراتبه وان علمه اي علم التوحيد خلاصة العلوم كلها من الرسمية والحقيقية وانه اصل الدين والاسلام وسبب الجنة والنار.
واما بيان ان الوجود كله واقع على التوحيد مشتمل على مراتبه فقوله تعالى: «قل هو الله احد...» الى آخر السورة الشريفة لان مجموعة عبارة عن هذا المعنى بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه قال: اسست السماوات السبع والارضون السبع على قل هو الله احد فصدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تسميته لهذه السورة بسورة الاساس بما هي عليه من اساس الدين والتوحيد بل اساس الوجود كله ونظراً الى هذا المعنى قال بعضهم ان غايات عقول العلماء ونهاية مباحث الحكماء ما جاوزت عن الاسرار المودعة في سورة الاخلاص لان الاطلاع على اسرارها فوق اطوار العقول والافهام وكل من تكلم فيها من شيء فما عثر على قطرة من بحارها وذرة من جبالها، واليه اي التوحيد اشار تعالى بقوله: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» لان الضمير في انه راجع الى العالم الذي هو الافاق بأسرها والى الوجود المشتمل على الافاق والانفس وكلاهما صحيح والتقدير انه تعالى يقول سنكشف لهم حقيقة مظاهرنا الا فاقية والا نفسية حتى يتبين لهم اي يتحقق لهم باليقين التام ان الافاق والانفس هي مظاهره لاغير، وبالحقيقة ليس لقاءه الموعود في القيامة الكبرى غير ذلك ولهذا عقبه بقوله «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ» ليعلم ان لقاءه الموعود لا يكون بغير هذا الوجه.
والى مشاهدته تعالى في مظاهره الافاقية والانفسية اشار جل وعز وقال: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» اي اينما توليتم من الامكنة وتوجهتم من الجهات فثم الله لانه المحيط وشأن المحيط كذلك يعني انه ليس مخصوصاً بمحاط دون محاط ولا بموضع دون موضع، ولتأكيد هذه المعاني كلها قال الله تعالى تنبيهاً لعباده: «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ليعلموا يقيناً انه لا يجنه البطون عن الظهور ولا يقطعه الظهور عن البطون ولا الاولية عن الاخرية ولا الاخرية عن الاولية لان كل ظاهر غيره ظاهره غير باطنه وهو تعالى ظاهره عين باطنه وكل باطن غيره باطنه غير ظاهره وهو تعالى باطنه عين ظاهره وكذلك الاول والآخر لان كل واحد منهما عين الاخر وفيه قيل سبحان من اشتد خفاءه في ظهور وظهوره في خفاءه، ظهر فبطن وبطن فعلن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
واما بيان ان جميع الموجودات مجبولة على التوحيد مخلوقة لاجله فقوله تعالى ايضاً: «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» لان هذا اقرار بالالهية من لسان كل ما في السموات والارض من ذوي العقول وغيرهم كما في قوله تعالى: «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» ومعلوم ان الفطرة اقرار كل شيء بالالهية والربوبية وان له خالقاً وان لم يخلق نفسه ويشهد بذلك ايضاً فاطر السماوات والارض لانهما مخلوقتان على الفطرة الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لانهما مكلفتان مطيعتان له بقوله «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» اي اتينا شاهدين على انفسنا بأنك الهنا وخالقنا ولا اله غيرك بل انت اله كل شيء وموجده.
بعد هذا اشار العالم المتبصر السيد حيدر الاملي الى حقيقة تسبيح الكائنات بأعتبارها دالة على معرفة هذه الكائنات بمن تسبح له قال ووجه آخر وهو قوله تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» وتسبيح الشيء لابد ان يكون مؤخراً عن معرفته ومعرفته لابد وان تكون مؤخرة عن وجود الشيء نفسه وعلى هذا التقدير لا يوجد شيء الا ويكون فيه هذه الثلاث اي العلم بوجود موجده والعلم بأنه واحد ثم التسبيح له، واذا كان كذلك فتكون المعرفة الحقيقية الجبلية موجودة في كل شيء والمعرفة الجبلية ليست الا على حسب التوحيد لقوله تعالى: «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» لانها شهادة ذاتية فيكون الكل مجبولاً على التوحيد مخلوقاً لاجله.
يواصل السيد حيدر الاملي كلامه في التوحيد فيقول عن تسبيح الكائنات وقوله تعالى: «وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» تحريض على التفقه في تسبيحهم لان فيه فوائد منها معرفة الاشياء وكيفية نطقها، قال بعض اهل التوحيد ان كل شيء له ثلاثة اشياء الحياة والنطق والمعرفة ومضى السيد حيدر الاملي في تطبيق هذه المباديء الثلاث فقال: تمسك في الاول اي حياة الكائنات يقوله تعالى:«وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» لان الماء كناية عن الحياة السارية في كل شيء من الممكنات الموجودة والى هذا الماء اشار يقوله:«وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء» يعني قبل وجود الماء الصوري كان العرش على الماء الحقيقي الذي هو الحياة الحقيقية السارية في جميع الموجودات سريان الماء او الروح في الاجسام وتمسك في الثاني اي كل شيء له النطق بقوله تعالى: «أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» ولا يجور حمله على النطق المجازي مع امكان النطق الحقيقي والنطق الحقيقي يصدق على الكل لانه عبارة عن الادراك مطلقاً وهذا حاصل في كل شيء بقدره وورد في الحديث يشهد للمؤذن كل رطب ويابس ويؤيد ذلك تسبيح الحصى في كف نبينا (صلى الله عليه وآله) وانين الخشبة وتكلم الذراع المشوي وغير ذلك من المعجزات المشهورة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
*******