بعد قتل سيد شباب اهل الجنة الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، كان في امكان الرسام ان يرسم لك دمعة او جرحاً، في امكانه ان يرسم لك شجرة كهذه، او يرسم لك شاباً اخترقت جسده سيوف المجرمين من كل جهة وقد علقوه على هذه الشجرة ومن حوله الغيوم تتلبد والقمر معتم، يستطيع الرسام ان يقوم بذلك رمزاً لتكرار الجرائم التي استمر حدوثها بعد استشهاد الامام المظلوم (عليه السلام) فلم يكن يمر يوماً الا وترى فيه رجلاً مصلوباً او رأساً معلقاً يتطوح بعد ان هزت الرياح حبله، الرسام يستطيع ان يفهم ذلك وان يجد فيه دلالة على غياب الانصاف من ساحة بني امية، حتى انه لا يستطاع شراء او قية من العدالة داخل خيامهم بعد ان زرع بنو امية شجرة وتعهدوها برعايتهم لتكون مشنقة لكل من طعن في عدالتهم.
حذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكيد لاهل المدينة او اخافتهم في بيانات نبوية عديدة منها قوله (صلى الله عليه وآله) «من اخاف اهل المدينة ظلماً اخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً» وبعد هذا التحذير اخبر (صلى الله عليه وآله) ان الحرة سيقتل بها اناس خيار من اصحابه، فماذا حدث لاهل المدينة في يوم الحرة؟
روى الطبراني والطبري ان معاوية حين حضره الموت قال ليزيد: قد وطئت لك البلاد وفرشت لك الناس ولست اخاف عليكم الا من اهل الحجار فأن رادك منهم ريب فوجه اليهم مسلم بن عقبة فأني قد جربته مرة ولم اجد له مثلاً لطاعته.
اجل ان معاوية اوصى وهو على فراش الموت بالكيد وبضرب رقاب الناس انهم ابوا سلطانه، يقول المسعودي في مروج الذهب كان يزيد صاحب طرب وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد مقتل الحسين (عليه السلام) فأقبل على ساقيه وقال: اسقني شربة تروي مشاشي، ثم مل واسقي مثلها ابن زياد، ثم امر المغنين فغنوا وغلب على اصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي ايامه ظهر الغناء في مكة والمدينة واستعملت الملاهي واظهر الناس شرب الشراب، يقول المسعودي ولما شمل الناس جور يزيد وعماله واعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانصاره وما اظهر من شرب الخمر وسار سيرة كسيرة فرعون بل كان فرعون اعدل منه في رعيته وانصف منه لخاصته وعامته اخرج اهل المدينة عامله علياً وهو عثمان بن محمد بن ابي سفيان وروى مؤلف تاريخ الخلفاء ان عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: والله ما خرجنا عن يزيد حتى حفنا ان نرمى بالحجارة من السماء انه رجل ينكح امهات الاولاد والبنات والاخوات ويشرب الخمر ويدعو الصلاة. وبدأ يزيد في تنفيذ وصية ابيه معاوية فأرسل اليهم مسلم بن عقبة ووضعه على رأس الجيش وقال له: اذا قدمت على المدينة فمن عاقك عن دخولها او نصب لك حرباً فالسيف السيف ولا تبقي عليهم وانتهبها عليهم ثلاثاً واجهز على جريحهم واقتل مدبرهم وسار مسلم بن عقبة الى المدينة وكان اهلها قد حفروا خندق رسول الله الذي كان حفره يوم الخندق وتقدم مسلم بن عقبة واجتاح المدينة وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس واباح المدينة ثلاثة ايام وانتهبت اموال كثيرة منها ووقع شر كبير وفساد عنيد على ما ذكر المؤرخون.
وروى ابن كثير ان الف امرأة من اهل المدينة ولدت بعد وقعت الحرة من غير زوج، ولم تكن الكارثة بقتل اهل المدينة وحسب بل كانت الكارثة ايضاً في ان الناس بايعوا يزيد على انهم عبيد له وخول يقضي ماشاء فيهم، وهكذا اكتملت الدائرة بانتخاب بني امية عبيد الله خولة بعد ان اخذوا دين الله دخلاً ومال الله دولاً ولم يكن هذا بعد وفاة النبي بألف عام فأن هذه الاحداث جرت عام ٦۳ هجري ورواها اصحاب التواريخ والتراجم والسير واجمعوا على ان يزيد اباح المدينة ونهب الاموال وهتك الاعراض وقتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق وبايعه الناس على انهم عبيد له.
اجل مستمعي العزيز ان ترك الناس مناصرة الامام الحسين (عليه السلام) في موقفه الثوري العظيم في قبال الفساد الاموي قد فتح ابواباً للابتلاء والعقاب وتبين لمن لم يكن يعرف ان الحسين الذي رفض بيعة يزيد كان ابعد نظراً من الذين جمعوا حريمهم واولادهم وامروهم بعدم الخروج على يزيد لان في ذلك مشق عصا الجماعة كما قالوا.
لقد كان الامام الحسين (عليه السلام) اعلم بيزيد وخطورته منهم لانه كان يتحرك بعلم الهي وبصيرة يقينية راسخة، لقد دفع يزيد بن معاوية الحراب ضد الحسين (سلام الله عليه) ثم قام بتوسيع الدائرة بعد ذلك فرفعها ضد الرأي العام الذي يسير في خط معارض له، وعندما قيل ان يذهب الامام الحسين الى يزيد ويبايعه اقسم الامام الحسين (عليه السلام) انهم لن يتركوه فهم لا يريدون منه البيعة بل يريدون رأسه ويوم الحرة طلب بعض اهل المدينة البيعة على حكم القرآن والسنة فكان جزاءهم ان ضربت اعناقهم صبراً، وبايع الناس على انهم عبيد ليزيد الذي كان عمره انذاك نيفاً وثلاثين سنة ان شاء باعهم وان شاء اعتقهم، ثم قام يزيد بتوسيع الدائرة مرة اخرى واقتحم الباب الاخير الذي يدخل من اقتحمه او كاد له او رمى في دائرة الذين يؤذون الله قال تعالى: «ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذاباً مهيناً» فسير يزيد الجيوش نحو مكة ورمى جنوده بيت الله بحجارة المنجنيق وقبل ذلك كانوا قد آذوا رسول الله في يوم الحرة وقبل ذلك طعنوه في قلبه المقدس يوم قتلوا الحسين وهو ريحانة الرسول ومن اصحاب الكساء والمباهلة وابن فاطمة بهجة قلب رسول الله التي يقول فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «انما فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها».
ان يزيد دخل جميع الدوائر بعد قتله الحسين فآذى الخط الذي يقود الناس الى الله تبارك وتعالى ووجه الضربات الى الثقل الذي لا ينفصل عن القرآن حتى يرد على رسول الله الحوض، لقد ضرب يزيد المعول الاول في الكعبة، روى الطبراني ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في الكعبة: «اذا رأيتم قريشاً هدموا البيت ثم بنوه فزوقوه فأن استطعت ان تموت فمت».
اجل ضرب يزيد المعول الاول في الكعبة ثم قام ابن الزبير بعملية الهدم والتعمير فجاء اليه الحجاج بن يوسف حامل سيف عبد الملك بن مروان فقام بهدم البيت على رأس ابن الزبير، وبعد ذلك قام بعمليات الترميم والتعمير والتزويق، تعاملوا مع عترة النبي تعاملاً عدوانياً لا يليق بأدنى الناس ثم تعاملوا مع المقدسات من منظور حماية السلطة الاموية من الخارجين عنها فدخلت خيولهم المسجد النبوي وهدموا البيت العتيق وفي جميع الاحتمالات فأن عبد الله بن الزبير لم يكن مصيباً في الاحتماء بالبيت من اجل الملك فعلي امتداد التاريخ لم نسمع بواحد من اهل البيت الاطهار قد احتمى بالمساجد وانما كانت حركتهم مضبوطة لانها حركة في جميع الحالات لا علاقة لها بالملك وانما بأقامة الحجة، وهل يسعى قتيل بعلم مكان قتله من اجل الملك؟
*******