بعث الامام ابو عبد الله الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة يستوثق من موقف الكوفيين الذين تواردت رسائلهم على الامام الحسين (عليه السلام) يعرضون عليه النصرة ويدعونه الى القدوم الى الكوفة وفي الكوفة بايع مسلماً ثمانية عشر الفاً من اهلها وكتب الى الامام برأي اهل الكوفة المعارض للتسلط الاموي ودس والي الكوفة عبيد الله بن زياد جاسوساً في اجواء المعارضة التي التفت حول مسلم حيث كان مقره السري في دار هانيء بن عروة، وبهذه الدسيسة وقف ابن زياد على حقيقة ما يجري من الاستعداد لاستقبال الامام الحسين (عليه السلام) فأعتقل هاني بن عروة وعذبه تعذيباً وحشياً ثم ارسل فرقة من الجيش للقبض على مسلم بقيادة محمد بن الاشعث بيد ان مسلماً قاتلهم بمفرده قتال الابطال فأحتالوا على القاء النار عليه من السطوح وردخه بالحجارة وظل مسلم يقاتلهم في الشارع فأقبل عليه محمد بن الاشعث وقال له: لك الامان وعندما انتزعوا سيف مسلم واعطاءه الامان دمعت عيناه وقال: هذا اول الغدر أين امانكم، انا لله وانا اليه راجعون، وبكى مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) فقيل له: ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل مثل الذي نزل بك لا يبكي فقال: والله ما لنفسي ابكي ولا لها من القتل ارثي ولكن ابكي لاهلي المقبلين الي، ابكي الحسين وآل الحسين، ثم اقبل على ابن الاشعث وقال: يا عبد الله اني اراك والله ستعجز عن اماني فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلاً يبلغ حسيناً فأني لا اراه الا قد خرج اليكم او هو خارج غداً هو وآل بيته فيقول له: ان ابن عقيل بعثني اليك وهو في ايدي القوم اسير لا يرى ان تمشي حتى تقتل وهو يقول لك: ارجع بأهل بيتك ولا يغرك اهل الكوفة فأنهم اصحاب ابيك الذي كان يتمنى فراقهم بل الموت او القتل «ان اهل الكوفة كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأي».
فقال ابن الاشعث: والله لا فعلن ولا علمن ابن زياد اني قد امنتك.
وذكر الطبري ان ابن عقيل عندما دخل على ابن زياد دار بينهما حوار طويل منه ان ابن زياد قال له ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك اهله فقال ابن عقيل: فمن اهله يا بن زياد قال: امير المؤمنين يزيد، فقال: الحمد لله على كل حال. رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم فقال ابن زياد: انك تظن ان لكم في الامر شيئاً.
فقال مسلم بن عقيل: ما هو الظن ولكنه باليقين.
قال عبيد الله بن زياد: قتلني الله ان لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد في الاسلام.
فقال: اما انك احق من احدث في الاسلام ما لم يكن فيه، اما انك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبه ولا احد من الناس احق بها منك.
فأقبل ابن زياد وهو يشتم حسيناً وعلياً وعقيلاً (عليهم السلام) واخذ مسلم لا يكلمه وكان ابن عقيل قد عرى حقيقة ابن زياد اذ قال له: ان اباك قتل خيار الناس وسفك دماءهم وعمل فيهم اعمال كسرى وقيصر ووصف عبيد الله وآباءه وبني امية بأنهم يليغون في دماء المسلمين ولغاً ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها ويقتلون النفس بغير النفس ويسفكون الدعم الحرام ويقتلون على الغضب والعداوة وسوء الظن وهم يلهون ويلعبون وكأن لم يصنعوا شيئاً.
بعدها امر ابن زياد بضرب عنق مسلم بن عقيل فوق سطح القصر فصعد به وهو يكبر ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ورسله وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غربونا وكذبونا وذلونا وقتلونا، ثم ضرب عنقه رضوان الله تعالى عليه.
وروى الطبري انهم احضروا هاني بن عروة من السجن حتى انتهوا به الى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف وعندما لم يجد احداً من قبيلته يدافع عنه جذب يده فأنتزعها من الكتاف ثم قال: اما من عصا او سكين او حجر او عظم فوثبوا عليه فضربه رجل بالسيف فلم يؤثر فيه فقال هاني: الى الله المعاد، اللهم الى رحمتك ورضوانك، ثم ضربه الرجل ضربة اخرى فقتله.
وكتب ابن زياد الى يزيد بن معاوية: الحمد لله الذي اخذ لامير المؤمنين بحقه وكفاه مؤنة عرضه ثم اخيره بما كان من لجوء ابن عقيل الى دار هاني ودسه العيون عليهم والى آخر القصة ثم قال: وقد بعثت اليك برؤسهما فكتب اليه يزيد بن معاوية واخبره اي ابن زياد عمل عمل الحازم وصال صولة الشجاع الرابط الجأش، ثم قال له: انه كان قد بلغني ان الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر والمسارح واحترس على الظن وخذ على التهمة واكتب الي في كل ما يحدث من الخبر، وهكذا اسدل الستار على رسول الحسين (عليه السلام) وقد خذلت الجماهير سيد شباب اهل الجنة واسلمته الى القدرات العسكرية الفائقة التي جندها عبيد الله بن زياد خدمة لخط بني امية وقد اذهبت السلطة جماهير الناس بصورة تأنف منها الفطرة وقد نهى الاسلام المحمدي الحق عن ترويع المسلمين بل انه وضع اصولاً راقية للتعامل حتى مع الحيوان والطير والنبات فينبغي التعامل مع الانسان بما لا يرعب خوفه الفطري، انه لقانون جاهلي متوحش ومعاد للاسلام ذلك القانون الذي يتعامل به بنو امية في مثل نصوص رسائلهم وتعليماتهم، اخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب ومثل لان بلغني عن رجل منكم خلاف لاقتلنه وعريفه ووليه ولآخذن الادنى بالاقصى ومثل واحترس من السلطان فأنه يغضب غضب الصبيان ويأخذ اخذ الاسد وقليله يغلب كثيراً من الناس، ان قانوناً متوحشاً متخلفاً مثل هذا يكون حجر عثرة في طريق الفطرة الانسانية لان الاختيار لا يكون فيه الا بعقل السلطان وعينه بمعنى ان الناس لا يرون الا ما يرى السلطان على الطريقة الفرعونية وهذا في حد ذاته مضاد ومعاكس لطبيعة الوجود وطبيعة الانسان لانه ينتج انساناً ذليلاً مشوهاً وان الانسان لابد له من حركة لان سنة الوجود ان ينظر الله الى خلقه كيف يعملون.
ان التخويف والارهاب يضرب بصورة او باخرى بدائرة الاختيار بل يجتث شجرة الحرية الحقيقية التي تتغذى بماء الفطرة، كانت الدولة الاموية قد عملت جاهدة من اجل تنمية شجرة الارهاب، هذه الشجرة التي وضعوا عليها بعد وفاة النبي (صلوات الله عليه وآله وسلم) بأقل من خمسين عاماً عباءة القداسة والدين وهذا يمثل خطراً كبيراً على الاجيال المسلمة حتى قيام الساعة، واذا كان الامام الشهيد الحسين بن علي (عليه السلام) له رأي في الذين خذلوه واسلموا فأن حركته القدسية ستكون نحو الجذور نفسها رأياً نحو صناع الارهاب، هذه الحركة الحسينية العظيمة المتفردة ليست من اجل وقف الارهاب وانما لوضع لباس العار الذي ما بعد عار على رؤوس صناع التخويف والارهاب حتى يرث الله الارض ومن عليها.
*******