بعد موت معاوية بن ابي سفيان حدث ما كان قد توقعه الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فلقد تبين لكثير من اهل الحجاز واليمن والعراق ان بني امية ليسوا بأصحاب دين بقدر ما هم اصحاب بغي ومكر، وكان الحسن بن علي (عليه السلام) بعد صالح معاوية يريد ان ينطلق اهل البيت فيما بعد من هذه الارضية فالذين علموا ان حركة بني امية تدور حول توريث الكرسي وجمع الاموال سيعيدون التفكير في موقفهم ويردون الحق الى اهله لينالوا بذلك علماً ونجاة واصحاب الحق لن يطمعوا بما في ايدي الناس لانهم لا يأكلون الصدقة ولا يريدون الا نصيبهم الذي كتبه الله لهم من الخمس ووفقاً لهذا فينال الناس العلم والمال ويفتح الله سبحانه بركاته من السماء، بيد ان معاوية قطع عن الناس هذا الطريق بعد ان فرض ابنه على العقل، ويفرض معاوية ابنه وبأستحواذ يزيد على مقاليد امور المسلمين كان يعني ان انسلاخاً كبيراً عن الاسلام سيبدأ، انسلاخاً اشد من الماضي واعتى واكثر وقاحة ومعاداة للحق، وفي هذا الظرف الجديد والخطير على الاسلام والمسلمين انطلقت حركة الامام ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه).
روي ان الامام الحسين (عليه السلام) خرج الى مكة في الوقت الذي كان مؤيدوا اهل البيت واشياعهم مجتمعين في العراق في منزل سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي الذي ادرك النبي (صلى الله عليه وآله)، قال مؤلف كتاب الاصابة كان سليمان خيراً فاضلاً شهد صفين مع علي، في منزله بالعراق.
قال سليمان: لاشياع اهل البيت المجتمعين عنده، ان معاوية قد هلك وان حسيناً قد تقبضه على القول ببيعته وقد خرج الى مكة وانتم شيعته وشيعة ابيه فأن كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدو عدوه فأكتبوا اليه وان خفت الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه.
قالوا: بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه.
قال: فأكتبوا اليه، بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمصيب بن نجيبه ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من اهل الكوفة سلام عليك فأنا نحمد الله عليك الذي لا اله الا هو اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزع على هذه الامة فأبتزها امرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى اشرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها واغنياءها فبعداً له كما بعدت ثمود انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق، ثم ارسلوا الكتاب مع عبد الله الهمداني وبعد يومين بعثوا اليه بنحو ثلاثة وخمسين صحيفة موقعة من الرجل والاثنين والاربعة ثم لبثوا يومين آخرين ثم بعثوا اليه كتاباً قالوا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من شيعته المؤمنين اما بعد فحي هلا فأن الناس ينتظرونك ولا رأي لهم من غيرك فالعجل العجل والسلام عليك.
ثم كتب اليه شبث بن ربعي ومن معه اما بعد فقد اخضر الجناب واينعت الثمار وطمت الجمام فأذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك، وروى الطبري ان الرسل تلاقت عند الامام الحسين (عليه السلام) فقرأ الكتب وسأل الرسل عن امر الناس ثم كتب مع هانيء بن هانيء السبيعي وسعيد بن عبد الله وكان آخر الرسل: بسم الله الرحمن الرحيم من حسين بن علي الى الملاء من المؤمنين والمسلمين اما بعد فأن هانئاً وسعيداً اقبلا علي بكتبكم وكان آخر من قدم علي من رسلكم وفهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق وقد بعثت اليكم اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي وامرته ان يكتب الي بحالكم وامركم ورأيكم فأن كتب الي انه قد اجمع الرأي مثلكم وذوي الفضل والحجى منكم مثلما قدمت علي رسلكم وقرأت في كتبكم اقدموا عليكم وشيكاً ان شاء الله فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام.
فبعث الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل بن علي بن ابي طالب وكان الامام الحسين (عليه السلام) قد خرج من المدينة الى مكة لليلتين بقيتا من رجب سنة ٦۰ واقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، وكان مسلم بن عقيل قد بعث اليه من الكوفة اما بعد فأن الرائد لا يكذب اهله وقد بايعني من اهل الكوفة ثمانية عشر الفاً فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فأن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى والسلام.
وذكر ابن جرير الطبري في تاريخه ان الحسين (عليه السلام) بعد ان وصلت اليه رسائل اهل الكوفة وعلم ان هوى اهل البصرة ليس مع آل معاوية بعث مع مولى لهم يقال له سليمان بكتاب الى زعماء البصرة واشرافها، جاء فيه اما بعد فأن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) على خلقه واكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله اليه وقد نصح لعباده وبلغ ما ارسل به (صلى الله عليه وآله) وكنا اهله واولياءه وورثته واحق الناس بمقامه في الناس فأستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة واحببنا العافية ونحن نعلم انا احق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه وقد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب وانا ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبينا (صلى الله عليه وآله) فأن السنة قد اميتت وان البدعة قد احييت وان تسمعوا قولي وتطيعوا امري اهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله.
وذكر التاريخ ان اشراف اهل البصرة عندما قرأوا الكتاب كتم واحد منهم يدعى المنذر بن الجارود الذي خشي ان يكون الكتاب مدسوساً من قبل عبيد الله بن زياد فتوجه الى مقر الامارة وسلم الكتاب الى ابن زياد فأمر بأحضار سليمان حامل رسالة الحسين وضرب عنقه ثم صعد ابن زياد البصرة وخطب خطبة تهديدية عنيفة ذكر فيها ان يزيد بن معاوية ولاه الكوفة الى جانب البصرة قال وانا غاد اليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد ابن ابي سفيان واياكم والخلاف والارجاف فوالذي لا اله غيره لان بلغني عن رجل منكم خلاف لا قتلنه وعريفه ووليه. ولا اخذن الادنى بالاقصى حتى تسمعوا لي.
وروي انه عندما دخل الكوفة كانت عليه عمامة سوداء وكان متلثماً فظن الناس حين قدم عبيد الله بن زياد انه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا مرحباً بك يا بن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى ابن زياد استبشارهم بالحسين ما ساءه فلما دخل القصر وعلم الناس في الكوفة انه ابن زياد دخلهم من ذلك كآية وحزن شديد، اجل ان الجموع هي التي بعثت بالرسائل الى ابي عبد الله الحسين ولم يكن النظام الحام بعيداً عما يحدث فلقد اغلق الابواب على البصرة واعلن قانونه بصراحة لان بلغني عن رجل منكم خلافاً لاقتلنه وعريفه ووليه ولاخذن الادنى بالاقصى حتى تسمعوا لي ولا يكون فيكم مخالف، انه قانون له عند فقهاء السلطان والفتنة الف تأويل.
*******