كان الاعلان الاموي يشيد بأبناء بني امية ويتبنى قوله معاوية انه لم يبق الا ابني وابناءهم اي ابناء بني هاشم وابني احق، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اقام الحجة على مثل هذا القول ورسخ هذه الحجة الالهية القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: «فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم».
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الحسين والحسن: «هذان ابناي وابنا ابنتي الهم اني احبهما» وغيرها من الاحاديث الوفيرة التي تؤكد على «ان الحسن والحسين امامان قاما اوقعدا» و«انهما سيدا شباب اهل الجنة» والتي تفند ادعاءات معاوية.
وقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسلمين لمحبة اهل بيته والحسن والحسين خاصة وحصنهم وحذر من الاساءة اليهم واعلن: «ان حربهم حربه وان من آذاهم فقد اذى الله ومن ابغض الحسن والحسين فقد ابغض الله» وبهذا التحصين النبوي يكون التخلي عنهم تخلياً عن الرسالة الالهية والعدوان عليهم عدواناً عليها.
وفي العقد الاخير من النصف الاول للقرن الهجري الاول كان ابن عثمان وابن خالد بن الوليد وابن سعد وابن معاوية وابن الزبير كل منهم يريد الملك لنفسه فشاء الله ان تبدأ حركة الحسين (عليه السلام) في مثل هذا الجو علماً بأنه ما تزال في ذاكرة الجيل الاول الاحاديث التي تضع ابناء امية وابناء الحكم في دائرة التحذير منهم، فهم الذين رآهم النبي على منبره ينزون نزو القردة وهم الذين سيتخذون مال الله دولاً وعباد الله خولاً ودين الله دخلاً.
وفي نفس الوقت تحتوي ذاكرة الجيل الاول على ابناء الطهر والرسالة الصافية ابناء الكساء والمباهلة وقد علم الجميع انهم وحدهم اهل البيت ولا احد سواهم وقد ادخر الله تعالى الامام الحسين الى وقت اوغلت فيه الامة في اعماق الفتن وكان (عليه السلام) يعلم انه مقتول في نهاية المطاف والذي من حوله يعرفون هذا جيداً وانه جاء ليخرج اهل عصره من ظلمات الفتن الى نور التوحيد والبصيرة.
ولخطورة مهمة الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) احيط بدائرة تحذيرية هي من اوضح ما يكون فقال جده رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حسين مني وانا من حسين، احب الله من احب حسينا، حسين سبط من الاسباط» رواه الترمذي والبخاري وابن ماجه والحاكم واحمد، قال الاحوذي في تحفته: «علم الرسول ما سيحدث له فخصه بالذكر وبين انهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمعارضة واكد ذلك بقوله احب الله من احب حسينا فأن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله وقوله حسين سبط من الاسباط اي امة من الامم في الخير والاسباط في اولاد اسحق بن ابراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد اسماعيل واحدهم سبط فهو واقع على الامة والامة واقعة عليه».
في لسان العرب «ان الاسباط في ولد اسحق من ابراهيم بمنزلة القبائل في ولد اسماعيل (عليهم السلام) فولد كل ولد من ولد اسماعيل قبيلة وولد كل ولد من ولد اسحق سبط وانما سمي هؤلاء بالاسباط وهؤلاء بالقبائل ليفصل بين ولد اسماعيل وولد اسحق وسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معناه اي طائفة وقطعة منه ومن هذا الحديث يمكن القول ان الذي يقاتل الحسين فأنه سيكون ممن يريدون القضاء على نسل رسول الله الى يوم القيامة وقلع الشجرة الطيبة من جذورها وهذا ذروة الفساد في الارض والارتداد بالناس الى عتو الجاهلية السوداء وبنفس الكلمة اقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس الحجة فقال «ان بني اسرائيل كانت تسوسهم الانبياء، كلما هلك نبي خلف نبي وانه لا نبي بعدي انه سيكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا قال بيعة الاول فالاول واعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم فأن الله سائلهم عن ما استرعاهم»، انه اذن طريق الحسن والحسين اللذين طالما اوصى رسول الله امته بهم ومن ملامحه في هذا النص النبوي «واعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم» ومن معالم هذا الطريق ان الله استرعاهم، معنى هذا انه ليس لاحد كائناً من يكون يد او دخل في عملية التنصيب وكان الحسين (عليه السلام) يعمل انه سبط من الاسباط وانه سيعتدى عليه كما اعتدت بنو اسرائيل على اعلامها.
وكان يقول كما في البداية والنهاية لابن كثير «والله لتعدن كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت».
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: «ان اهل بيتي سيلقون بعدي من امتي قتلاً وتشريداً وان اشد قومنا لنا بغضاً بنو امية وبنو المغيرة وبنو مخزوم، ومعنى هذا ان من يرفع سيفاً من اولادهم على ابي عبد الله الحسين فسيكون كمن يرفع سيفه على طائفة هي فن الرسول والرسول منهم.
كان النبي (صلى الله عليه وآله) يرى الرؤيا في منامه فاذا استيقظ حدث الناس بحقيقة جاءت في صورة رؤيا والله جل وعلا كان يريه احياناً من الوقائع المستقبلية رأي العين، ان يشاهدها في يقظة فيحدث بها على انها حقيقة وكان (صلى الله عليه وآله) يجلس احياناً في المسجد وامامه الناس فيقول من احب ان يسأل عن شيء فليسأل عنه والله لا تسألون عن شيء الا اخبرتكم به مادمت في مقامي هذا والذي نفسي بيده لقد عرضت على الجنة والنار انفاً في عرض هذا الحائط وانا اصلي، وروي ان احد اصحابه قال له ابن مدخلي يا رسول الله قال النار، رواه البخاري، وروى البيهقي بسند صحيح انه (صلى الله عليه وآله) خطب فقال ايها الناس ان فيكم منافقين فمن سيمت فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان حتى عد ستاً وثلاثين، كان رسول الله يرى اذن رجلاً امامه فيرى معه حركة هذا الرجل في التاريخ ويرى مدخله في الجنة او في النار، وعلى طباق هذا كان يخبر عن بني امية ويقول اُريت في منامي بني الحكم ويقول رأيت بني امية كذا وكذا وهو صلوات ربي عليه يخبر عن احداث اخرى فيقول اني ارى مواقع الفتن خلال بيوتكم ورأيت الدجال اعور العين، الى غيرها من احاديث والاخبار بالمغيبات.
وكانت الاحداث العظيمة تتكرر اكثر من مرة لما لها من الاهمية والشأن كحديث الكساء الذي نزلت آيته في بيت ام سلمة ثم تكرر دعاء الرسول لاصحاب الكساء في اكثر من موضع فسمعت به عائشة وواثلة بن الاسقع وعمر بن ابي سلمة وشداد بن ابي عمار وزينب بنت ابي سلمة واسماعيل بن عبد الله وكذلك تكرر مروره (صلى الله عليه وآله) علي بيت فاطمة ستة اشهر وفي رواية سبعة اشهر ونداءه الصلاة يا اهل البيت وكذلك تكرر منه صلوات ربي عليه وآله حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» اذ سمعته جموع غفيرة ورواة عديدون وكذلك حديث الارتداد وذلك عندما يقول النبي (صلى الله عليه وآله): «يا رب اصحابي» فيقال: انك لا تدري ما احدثوا بعدك.
واحداث الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) من هذا النوع فلقد نزل جبرئيل (عليه السلام) بها ونزل بها ملك لم يكن ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل ونزل بها ملك المطر واخبر النبي بحوادثها علياً وعاتشة وابابكر وعمر وام سلمة وابن عباس وغيرهم ووصف الموضع الذي سيدور فيه القتال وسماه، بل واحضر له جبرئيل من تربتها حتى ان الطبري وغيره رووا، ان اهل ذلك الزمان يقولون بذلك وينتظرونه في كل يوم، وروى الحاكم عن ابن عباس قال ما كنا نشك واهل البيت متوافرون ان الحسين يقتل بالطف، وذكر ابن كثير عن عمرة بنت عبد الرحمن انها قالت اشهد لقد سمعت عائشة تقول انها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يقتل الحسين بأرض بابل، وروى الطبراني في الزوائد باسناد جيد ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال نعي اليّ الحسين واتيت بتربته واخبرت بقاتله والذي نفسي بيده لا يقتلونه بين ظهراني قوم لا يمنعونه الا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم وسلط عليهم شرارهم والبسهم شيعاً، ومن هذا كله ان السواد الاعظم من الناس كانوا على علم بما سيجري على ابي عبد الله الحسين في خطوط الحوادث العريضة وقد امروا بنصره الحسين ازاء السياسة الاموية بيد ان القلة القليلة هي من استجابة لكلمة رسول الله واختار الآخرون موقف المراقبة والصمت هذا وللحديث يا اخي صلة، نلتقي مرة اخرى لمواصلتها بأذن الله تعالى.
*******