عرف الفن الاسلامي التراثي مظاهر عديدة ظهرت فيها براعة هذا الفن وخصائصه ومنها فن الحفر في الخشب في اقاليم عديدة من العالم الاسلامي وطيلة قرون متمادية، ومن اهمها ما شهده عصر الفاطميين في اصقاع شتى، التحف الخشبية المصنوعة بمصر في العصر الفاطمي تجلى فيها منذ البداية غرز من الاساليب الفنية التي سادت في العهد الطولوني والاخشيدي الى الاساليب التي ازدهرت على يد الفاطميين في القرن الخامس الهجري، فالعروق الخشبية تحت قبة جامع الحاكم عليها زخارف نباتية متصلة واوراق شجر محفور عليها حفر عميق وتبدو الصلة الوثيقة بينها وبين الطراز الطولوني في الحفر على الخشب والجص ومن التحف التي ترجع الى بداية العصر الفاطمي باب ذو مصراعين محفوظ في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة واصله من الجامع الازهر وعليه كتابة بأسم الخليفة الحاكم بأمر الله، مما قد يدل على انه صنع حين كان هذا الخليفة بعمارة الجامع الازهر والتجديد فيه سنة ٤۰۰ للهجرة وفي هذا الباب حشوات مستطيلة عليها زخارف فروع نباتية محفورة حفراً عميقاً بأسلوب فني ييذكر بالاساليب العباسية في الحفر على الخشب، ولكنه يختلف عنها في ان زخارفه اصغر في المساحة وادق في الحفر فضلاً عن انها موزعة في تماثل وتقابل حول محوري افقي تتوسط مساحة روسمها غير غائرة، وقد زادت الدقة في الحفر تدريجياً حتى بلغت غايتها في العصر الذهبي للدولة الفاطمية كما يبدو في بعض حشوات تشهد بأتقان عظيم في نقش الفروع النباتية والاوراق، اضافة الى التوفيق الكبير في استعمال رسوم الحيوانات والطيور عنصراً زخرفياً، ومن روائع الحفر على الخشب في عهد الفاطميين الواح خشبية عثر عليها في ضريح السلطان الناصر محمد قلاوون وبمارستان قلاوون وكانت مستعملة في تغطية الافريز العلوي بالجدران ولكن طراز زخارفها يشهد بأنها ترجع الى العصر الفاطمي والمعروف ان مارستان قلاوون قام على انقاض القصر الغربي الفاطمي وهو القصر الذي بناه الخليفة العزيز واتمه المستنصر. هذه الالواح غنية بزخارفها وفريدة في اتقان صنعتها ولذلك يرجح انها كانت في القصرالغربي المذكور واعيد استعمالها في الابنية الجديدة وفي كل منها افريز علوي وافريز سفلي يشتملان على فروع نباتية بين شرطين عاريين على الزخرفة وترتفع هذه الفروع وتنخفض فينشأ منها اقواس تحصر بينها من اسفل وريدات ذات ثلاثة فصوص ومن اعلى شكلاً مكوناً من نصفي مروحتين نخيليتين وبين الافريزين عصابة رئيسية عليها مناظر سوم آدمية ورسوم حيوانات وطيور فوق ارضية من فروع نباتية اقل بروزاً واول ما يبدو للمشاهد المدفق ان توزيع المناظر المنقوشة روعي فيه التناظر والتقابل بيد ان التنوع في الموضوعات المنقوشة ليس كبيراً فهي تضم رسوم مشهدانس وقتال وقافلة مرتحلة اما رسوم الصيد فكثيرة فتشمل الصيد بالباز وصيد الاسد وهناك رسوم الطيور الجارحة ومعها فريستها كالغزال والبط.
ومن التحف الخشبية المشهورة في نهاية القرن الخامس الهجري منظر حرم الخليل في القدس وقد نقشت على بابه وعلى جانبيه كتابة تاريخية من اثني عشر سطراً من خط كوفي مورق وبارز ودقيق بأسم المستنصر ووزيره بدر الجمالي سنة ٤۸٤ للهجرة والمعروف ان المنبر صنع في هذه السنة لمشهد الامام الحسين (عليه السلام)، الذي بناه بدر الجمالي في عسقلان ويظن ان صلاح الدين الايوبي قد اتزعه من مشهد الحسين (عليه السلام) سنة ٥۸۷ وحمله الى الخليل، واهم ما يلفت النظر في زخارف هذا المنبر هو دقة الفروع النباتية المنقوشة في مناطق من اشكال هندسية ومن نجوم تتألف من عصابات من سيقان نباتية بين شريطين لازخرفة فيها، في هذا المنبر يشاهد لاول مرة اسلوب الحشوات الصغيرة المجمعة كما تشاهد دقة في رسم السيقان وحبات العنب والوريقات مما يحمل على القول بأن المنبر لم يصنع في مصر لان صناعة النقش في الخشب لم تتطور فيها فتصل الى مثل هذه الدقة قبل القرن السادس الهجري والناظر الى زخارف هذا المنبر لا يسعه الا ان يلاحظ ان البارز فيها الذي يشغل المكانة الخطيرة انما هي الزخارف النباتية في حين تبدو الاشكال الهندسية التي تصحبها كأنها تابعة لها.
التحف الخشبية التي ترجع الى العصر الاخير من حكم الدولة الفاطمية منها قطع من سدة الجمع محفوظة في متحف دمشق ومؤرخة في سنة ٤۹۷ للهجرة ومنها منبر خشبي في مسجد دير سام كاترين في شبه جزيرة سيتاء عليه كتابة بارزة بالخط الكوفي المورق بأسم الامر بأحكام الله وزيره الافضل شاهنشاه في ربيع الاول سنة ٥۰۰ للهجرة وشبه هذا المنبر منبر الخليل بعض الشبه ولكن زخارفه اقل ثروة وتطوراً على الرغم انها احدث عهداً من زخارف منبر الخليل بيد ان اعظم التحف الخشبية التي تنتمي الى نهاية العصر الفاطمي هي المحاريب الثلاثة الخشبية المحفوظة في متحف القاهرة، اقدمها كان في جامع الازهر والثاني من جامع السيدة نفيسة والثالث من مشهد السيدة رقية.
المحراب الاول هو اقل شأناً من الوجة الفنية يتألف من قبلة خشبية يحف بها عمودان ينتهي كل منهما بحمل ذوقاعدة يرتكز عليها عقد فارسي لعقود الرواق الرئيس في الجامع الازهر ويحيط بالقبلة شبه اطار، في كل من جانبيه الايمن والايسر اربع حشوات من خشب النبق فيها زخارف نباتية وكان فوق هذا المحراب لوح خشبي منقوش عليه بالخط الكوفي المورق آية «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى» واسم الامر بأحكام الله الفاطمي.
اما محراب السيدة نفيسة فيتألف من حشوات مجمعة تضم زخارف نباتية ورسوم هندسية وله اطار يجري فيه شريط من الكتابة الكوفية تؤذن بالتجويف وبداية خط النسخ، كما يجري شريط آخر حول حمية القبلة نفسها، والزخارف النباتية في محراب السيدة نفيسة هذه دقيقة الى ابعد حد وفيها سيقان نباتية ووريقات بينها اوراق العنب والعناقيد مرسومة بأسلوب قريب من الطبيعة والراجح ان هذا المحراب يرجع الى خلافة الحافظ حين كان بتعمير مسجد السيدة نفيسة سنة ٥٤۱ للهجرة.
والمحراب الفاطمي الثالث منقول من مشهد السيدة رقية وهو آية في دقة الصنع وما يزال في حالة جيدة ويشبه محراب السيدة نفيسة في هيئته ويختلف عنه في انه مزين بالزخارف من الظهر والجانبين وحمية القبلة في هذا المحراب تتألف من حشوات سداسية الشكل مجمعة بحيث تحصر بينها حشوة على شكل نجمة ذات ستة اطراف وتزين كل حشوة من تلك الحشوات سيقان نباتية دقيقة فيها وريقات ذات فصوص طويلة وتحيط بحمية القبلة كتابة بالخط الكوفي المورق تتضمن بعض آيات قرآنية، ويظهر من الكتابه التاريخية على هذا المحراب انه صنع في حياة الخليفة الفائز ووزيره طلائع ابن زريق اي بين عامي ٥٤۹و ٥٥٥ للهجرة.
*******