البث المباشر

فن النسيج التراثي الاندلسي والعثماني

الخميس 24 يناير 2019 - 19:44 بتوقيت طهران

الحلقة 65

تنوعت مظاهر الفن الاسلامي التراثي في فن النسج وزخارف الثياب في بيئات العالم الاسلامي، في الاندلس مثلاً دخل فن الطراز وازدهرت صناعة النسج في مراكز شتى، كان اهمها مدينة المرية التي اشار الشريف الادريسي الى انه كان فيها خلال عصر المرابطين ثمانمئة مصنع للنسج، يعمل بها الحلل والديباج والصقلاطون والاصفهاني والجرجاني والستور المكللة والثياب والخمر والعتابي وصنوف انواع الحرير، اما اهم المراكز الاخرى لصناعة النسج في الاندلس فهي مالقا واشبيلة وغرناطة ومرسيه واشار بعض المؤرخين الى تربية دودة القز التي ادخلت الى الاندلس في القرن الرابع الهجري على يد اسرة من الشام ثم ازدهر استخراج الحرير في الاندلس وغدا يصدر منها سائر البلاد في اوربا والعالم الاسلامي، ولعل اقدم المنسوجات التي تنسب الى الاندلس قطعة محفوظة في المجمع الاسباني للعلوم التاريخية في مدريد وهي من خيوط الحرير والذهب وقوام زخرفتها شربط فيه جمات تضم رسوم اشخاص جالسين ورسوم سباع وطيور وحيوانات اخرى وفيه سطران من الكتابة الكوفية والملاحظ في رسوم هذا الاثر الفني وكتابته انها تشبه الى حد كبير بعض المنسوجات الفاطمية حتى تساءل بعض مؤرخي الفنون الاسلامية عما اذا كان محتملاً ان نظن انها لم تصنع في الاندلس نفسها بيد ان الرسوم الادمية في زخرفة هذه التحفتة الاندلسية تشبه الرسوم الادمية المعهودة في زخارف العلب العاجية الاندلسية في القرن الرابع الهجري، وهي زخارف لم يقبل على استعمالها النساجون المصريون، وفي متحف كوبرنيون في نيويورك قطعة من الحرير اساس الزخرفة فيها دوائر متقاطعة تشتمل على رسوم اشخاص في مجلس الندمان ويشبه اسلوبها الفني، رسوم الاشخاص على العلب العاجية الاندلسية في القرن الخامس الهجري، مما يرجح معه ان هذه التحفة من صناعة هذا القرن، وفي متحف المتروبليتان قطعة من الديباج تتألف زخارفها من دوائر فيها رسم موسيقيين يحملون الدف ويذكر هذا الرسم بالرسوم الادمية في التحف السلجوقية في القرن السادس الهجري فالراجح ان تلك التحفة ترجع الى هذا التاريخ، ومن المنسوجات الاندلسية المشهورة قطعة من الديباج ذي الخيوط الحريرية والذهبية كانت تحفظ فيها وثيقة في ضمن محفوظات كاتردائية سلمنكة بإسبانيا من عهد فرناندو الثاني ملك اليون في القرن السادس الهجري، واكبر الظن ان هذه التحفة ترجع الى عهد هذا الملك وقوام زخرفتها من اشرطة ذات كتابات كوفية وهي تؤلف دوائر فيها رسوم طيور متدابرة لافتة رؤوسها وبين الدوائر نجوم حولها زخارف نباتية، وكان هذا النوع من الزخرفة محبوباً للنساجين في الاندلس وقد وصلت منه قطع تنتمي الى القرن السادس او السابع بعد الهجرة ومن بينها قطعة في متحف ويكتوريا والبرت وقطعة اخرى في متحف الفنون التطبيقية ببرلين وتتكرر في شريط هذه القطعة الاخيرة عبارة «البقاء لله» في اسلوب زخرفي فتبدو مقروءة حيناً وملقوباً من اليسار الى اليمين حيناً وهناك طائفة من المنسوجات المنسوبة الى الاندلس تمتاز بزخارفها الدائرية التي تضم رسوماً عنيفة المنظر قوية السمات بعضها آدمي وبعضها اشكال حيوانات وطيور، ومن ابدع نماذج هذه الطائفة قطعتان في متحف بيش بإسبانيا الاولى تقوم زخرفتها على دوائر من الاشرطة ذات الرسوم الحيوانية وتضم كل دائرة رسم رجل ذي لحية وشعر غزير يضم بين ذراعيه اسدين وفوق الدوائر شريط من الكتابة الكوفية، اما القطعة الثانية فأن اشرطتها الداخلية نحوي حيوانين مجنحين لكل منهما رأس آدمي.
ومن الاقمشة الاندلسية المشهورة علم او ستار خيمة محفوظة في احد الاديرة في مدينة برقش، عمدة زخرفته رسوم هندسية ونباتية تشبه رسوم الصفحات المذهبة في بداية المخطوطات وعليه خمسة اسطر من الكتابة الكوفية نصها العلوي «اعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، «بسم الله الرحمن الرحيم» والاوسط «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»والايسر « ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ» والسطر الاسفل «تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ» ومن منتجات الاندلس في القرنين الثامن والتاسع بعد الهجرة نوع من المنسوجات تشبه زخارفه رسوم كثير من زخارف قصر الحمراء، ومن هنا نسبته الى طراز هذا القصر، ويمتاز هذا النوع برسوم الاطباق النجمية والاشرطة المتداخلة والجدائل والاشكال الهندسية مما يجعل رسوم زخارفه تبدو كأنها رسوم مجموعة من بلاط القاشاني وفضلاً عن ذلك نجد فيه اشرطة من الكتابة بالخط الكوفي ذي الحروف الزخرفية المتشابكة، وقد كان الاقبال كبيراً على هذه المنسوجات ذات الزخارف الهندسية بين القرن الثامن والعاشر بعد الهجرة.
اما صناعة النسج في العهد العثماني ايها الاخوة فكان اهم منتجاتها صناعة الديباج والمخمل والقطيفة ومعظم هذه المنتجات النفيسة كان فيما بين القرن العاشر والثاني عشر بعد الهجرة بيد ان هناك قطعاً يمكن نسبتها الى القرن التاسع الهجري لان زخارفها تشبه المنسوجات التركية في ملابس الاشخاص المصورين في اللوحات الفنية الايطالية التي تنتمي الى هذا القرن ولا سيما لوحات الرسام جانتيلي بليني، وكانت اهم مراكز النسج بروسة واسكدار، المنسوجات التركية امتازت بالموضوعات الزخرفية النباتية ولم يكن في رسومها التنوع الذي عرفتة المنسوجات الايرانية بل اقبل النساجون على رسوم الازهار كالقرنفل والخزامى والسوسن والورد وما الى ذلك مما نجده ايضاً على الخزف والقاشاني الذي كان يصنع حينئذ في تركيا وسوريا ولا سيما في مدينة ازنيق، كانت المنسوجات ذات الموضوعات الكبيرة المساحة تستعمل في الستائر والاعظية في حين تستعمل سائر الاقمشة في الثياب النفيسة في شتى انحاء الدولة العثمانية وتغلب على المنسوجات التركية الالوان الاخضر والاحمر كما ان نسجها كان يدخل فيه احياناً خيوط الفضة المذهبة والملاحظ ان النساجين الترك نقلوا في موضوعاتهم الزخرفية كثيراً من العناصر الزخرفية الايرانية ولا سيما الرسوم النباتية والمراوح النخيلية كما نقلوا من المنسوجات الايطالية ولا سيما المخمل المصنوع في مدينة البندقية رسوم الرمان وبعض العناصر الزخرفية التي شاعت هناك في القرن الخامس عشر الميلادي ولا غرو فقد كانت المنسوجات الايرانية‌ والايطالية كثيرة في تركية الى جوار ان السلاطين العثمانيين ولا سيما سليمان القانوني استقدموا الفنانين الايرانيين من ايران والحقوهم بالبلاط وشجعوا كثيراً منهم على النهوض بصناعة النسج والخزف، وكانت الريادة في انتاج المخمل لمدينة بروسة اذ اقبل النساجون فيها على الابداع في ترتيب رسوم الازهار والنباتات في شتى الاوضاع وفي مختلف الجامات والمناطق كما استعملوا زخارف على هيئة المروحة واخرى على هيئة دائرة تضم رسم هلال تحف به زخرفة متعرجة تشبه رسم السحب الصينية، ولا ريب في ان الديباج التركي من ابدع ما اخرجته مصانع النسج في العالم الاسلامي ولعل اكثر الموضوعات الزخرفية شيوعاً فيه المناطق البيضية الشكل المملؤة برسوم الازهار المختلفة وقد انتشرت زخرفة المنسوجات بالتطريز في العهد العثماني في آسيا الصغرى وفي املاك الدولة العثمانية في منطقة البلقان ولم تكن الموضوعات الزخرفية المطرزة تختلف كثيراً عن الموضوعات المألوفة في المخمل والديباج، ومن انواع المنسوجات العثمانية اقشمة من الحرير عليها كتابات في اشرطة افقية او متعرجة وكانت تنسج لتكسى بها القبور والاضرحة وتشمل كتاباتها بعض الايات القرآنية او العبارات المألوفة في الاسلام مثل الشهادتين او عبارة «الله ربي ولا سواه»، «محمد حبيب الله» او بعض الاحاديث النبوية المشهوره.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة