من معالم الفن الاسلامي التراثي في ايران ابان القرنين الثامن والتاسع بعد الهجرة فن النسج وزخارفه بيد انه لم يصل الينا من هذه المرحلة المعروفة بأسم عصر المغول والتيموريين منسوجات كثيرة يمكن الجزم بنسبتها الى ايران في هذه المرحلة ولكن المعروف ان النساجين الايرانيين منذ القرن السابع الهجري قد تأثروا بزخارف المنسوجات الصينية الى حد كبير بسبب ازدياد الوارد من هذه المنسوجات ثم بسبب غزوات المغول واتساع تجارة ايران مع الشرق الاقصى، وقدوم كثير من النساجين الصينيين الى ايران وبسبب الاقبال على تقليدها ومحاكاتها.
والمعروف ان مقاليد الحكم في الصين كانت وقت ذاك في ايدي اسرة هان المغولية الاصل التي ظلت تحكمها حتى سنة ٦٦۸ للهجرة وكان طبيعياً ان يعظم التبادل التجاري والثقافي والفني بين ابناء البيت الواحد من المغول في امبراطوريتهم في الصين وامبراطوريتهم في ايران بل ان جاليات اسلامية تممت في الصين واشتغلت بنسج الحرير الذي كان يصدر الى انحاء العالم الاسلامي فيؤثر في الاساليب الفنية في مراكز النسج فيه.
واقبل الايرانيون على تقليد الموضوعات الزخرفية الصينية كالتنين والعنقاء وسواهما من الحيوانات الاسطورية ثم زهرة اللوتس والسحب الصينية التي امتازت بها المنسوجات الصينية منذ عصر اسرة هان، ومن اهم مراكز النسج الايرانية في عصر المغول والتيموريين هرات ونيسابور ومرو وتبريز وقم وسمرقند وقاشان ويزد واصفهان.
ويظهر جمال المنسوجات المغولية والتيمورية في الملابس والاقمشة المرسومة في الصور التي تعود الى هذين العصرين وعرف النساجون في ذلك الوقت تنظيم الزخرفة في اشرطة على النحو الذي اقبل عليه النساجون في كافة انحاء العالم الاسلامي وكان بعض تلك الاشرطة يملأ بخطوط هندسية مستقيمة او منكسرة او متقاطعة كما اقبلوا على موضوعات زخرفية نباتية محورة عن الطبيعة تحويراً بسيطاً وتمتاز بأن رسوم اوراق الشجر فيها قد تنبت من الفروع والسيقان واحياناً من الارض نفسها فتغطي النسيج كله وتجعله كالحديقة الغناء.
ومن الموضوعات الزخرفية التي اولع بها النساجون في هذين العصرين رسوم الفروع النباتية ورسوم البلاط القاشاني وتنسب الى مدينة تبريز مجموعة من الاقمشة المغولية الحريرية عليها رسوم حيوانات او طيور كبيرة وعلى احدى القطع في المجموعة كتابة بالخط النسخي الكبير بأسم السلطان ابي سعيد بهادر خان وهو السلطان الايلخاني الذي حكم ايران ما بين عامي ۷۱٦ و ۷۳٦ للهجرة ومن المنسوجات التي تنسب الى هذا العصر المجموعة التي يظهر فيها التأثر بالاساليب الفنية الصينية والتي كتب على بعض قطعها اسم السلطان المملوكي محمد بن قلاوون وثمة مجموعة اخرى يظهر فيها هذا التأثر الكبير بالزخارف الصينية ورسوم هذه المجموعة في اشرطة بعضها مقسم الى مناطق متعددة وقد كتب على احدى هذه القطع اسم ناسجها عبد العزيز امتاز عصر التيموريين بأنواع من المنسوجات ولاسيما النسيج المقصب بالذهب والفضة والمزين برسوم طيور صينية الطراز وزاد وجود زهرة اللوتس في زخارف المنسوجات في القرن التاسع الهجري كما زادت الدقة في رسم الموضوعات الزخرفية عامة ولا سيما البط الذي استخدم كثيراً في زخارف ذلك العصر.
وجاء العصر الصفوي في ايران فكان اهم العصور في تاريخ المنسوجات الايرانية اذ كانت مصانع النسيج تنتج كميات وافرة من الاقمشة الثمنية التي يحمل التجار بعضها الى الاسواق في اوربا والشرق الادنى، وكانت زخارف تلك المنسوجات تنم عن الاناقة والنضج الفني ووصل النساجون الى ثروة زخرفية لم تعهدها العصور السابقة واقبلوا على رسوم الازهار والفروع النباتية والمراوح النخيلية ومناظر الحدائق الغناء والطيور والغزلان ورسوم السحب الصينية، كما وصلوا في الصباغة الى اخراج ادق الالوان واكثرها تنوعاً وادخلوا الى جوار ذلك شتى انواع المنسوجات من ديباج وقطن واطلس ومخمل.
ومن ابين سمات المنسوجات الصفوية قربها من الصور المرسومة في ذلك العصر ولا عجب فقد كان الرسامون يشتغلون في اعداد رسوم المنسوجات وكان قوام الزخرفة في بعض هذه المنسوجات مناظر من قصص الشاهنامة او منظومات الشعراء الايرانيين المعروفيين او مناظر تمثل الامراء في الصيد فضلاً عن مناظر الحفلات في الحدائق والهواء الطلق، وطبيعي ان هذه الرسوم تساعد على معرفة التاريخ الذي تنسب اليه الملابس وكانت الاساليب الفنية في مدرسة رضا عباسي واضحة في زخارف تلك المنسوجات واقبل النساجون الايرانيون على استعمال رسوم الطيور والحيوانات في زخارفهم كما استخدموا رسوم الازهار والنباتات وكانت كل هذه الرسوم غاية في الدقة والجمال الزخرفي دون تحوير كبير عن الطبيعة وكان يحدث احياناً ان يعمد النساجون الى تحوير رسوم الحيوانات والطيور عن الطبيعة تحويراً كبيراً والى ترتيبها في اسلوب يجعلها موضوعات زخرفية منسقة وكان اكثر ما يحدث هذا في قطع النسيج المطرزة في القرن الحادي عشر الهجري كما كان يحدث احياناً ان يجمع النساج بين هذه الزخرفة المنسقة وغيرها من الرسوم النباتية على نحو ما نرى في قطعة نسيج مطرزة محفوظة في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة، وقوام الزخرفة فيها رسوم ازهار حمراء وسباع سوداء محورة عن الطبيعة ويحيط بالازهار والسباع اشرطة حمراء بها كتابة سوداء وزرقاء وتتعاقب الاشرطة بحيث تؤلف اشكالاً متوازية الاضلاع تضم رسوم اشخاص في حديقة، ومع هذا فأن الرسوم النباتية ورسوم الطيور والحيوانات كانت في بعض المنسوجات الصفوية قريبة جداً من الطبيعة، ومما انتجته مصانع النسج الايرانية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الهجرة احزمة حريرية طويلة قوام زخرفتها اشرطة افقية تنتهي في طرفيها بمنطقة اوسع مساحة و فيها جامات وزخارف نباتية، ويمتاز هذا النوع من الاحزمة بأن النساجين في جنوب شرقي بولندا اقبلوا على تقليده في القرن الثاني عشر الهجري بعد ان ازدهرت تجارته على يد التجار من الارمن واليهود في وسط اوربا وجنوبها الشرقي وزاد الاقبال على هذه الاحزمة حتى عمل النساجون البولنديون مثلها في بولندا واستعملوا زخارفها المكونة من الاشرطة والرسوم الهندسية ورسوم الازهار ولم تلبث هذه الصناعة المحلية ان طغت على الاحزمة الشرقية الواردة من ايران وكانت اعظم مراكز النسج في العصر الصفوي تبريز وهرات ويزد واصفهان وقاشان ورشت ومشهد وقم وساوة وسلطانية واردستان و شيروان.
وقد وصلت الينا اسماء بعض النساجين الايرانيين في هذا العصر مثل غياث وعبد الله وحسين ويحيى ومعز الدين بن غياث وايان محمد في القرن العاشر الهجري ومحمد خان وعلي واسماعيل قاشاني ومعين ومغيث واغا محمود في القرن الحادي عشر، ولا ريب ان ابدع المنسوجات الصفوية هو المخمل او القطيفة ذو الرسوم القوية والالوان الجميلة المتناسبة واشتهرت بأنتاجه مدينة قاشان في القرن العاشر الهجري وبداية الحادي عشر، وامتاز برسومه التي تشبه الى حد كبير رسوم العصور في المخطوطات وفي عصر الشاه عباس الاكبر زادت العناية بأنتاج الديباج والمخمل الثمين وانشأ المصانع لنسجها في شتى المدن الايرانية ولا سيما اصفهان وكان انتاج المنسوجات الايرانية عظيماً في بداية القرن الثاني عشر لكن الازمة الاقتصادية طغت في البلاد بعد الاجتياح الافغاني العسكري انذاك فقنع الناس بالرخيص من الاقمشة ولاسيما المنسوجات المطبوعة المعروفة بأسم قلمكار وكانت تصنع بقاشان وازدهرت صناعتها بعدئذ في اصفهان والهند ايضاً واصبحت في القرن الماضي من اهم صادرات الشرق الى اوروبا.
*******