البث المباشر

الدكتاتورية بين الأقلية والأغلبية

الخميس 24 يناير 2019 - 19:27 بتوقيت طهران

الحلقة 59

تحية لكم مستمعينا الافاضل والسلام عليكم. شهد الفكر السياسي في العالم على طول التاريخ صوراً عديدة كان عدداً منها يجد مصاديق له في الواقع العملي لصيغة نظام حكم معين وقد رأينا من قبل ان اسوء اشكال انظمة الحكم هو اشدها عداءاً للانسانية وايغالاً في البهيمية هو نظام الحكم الفردي المستبد القائم على رغبات الحاكم ونزواته لا على قيم انسانية‌ سامية، ومن سوء حظ الانسان على الارض انه ابتلي في اغلب مراحل تاريخه بهذا النوع من الحكم الفردي الذي يترأسة الطاغية بمعونة عدد من المنتفعين مستخدماً سلاح الاغراء بالمال لذوي النقوس الضعيفة وسلاح البطش والقتل والتشريد لمن يعارض او يظن انه يخالف الطاغية في نقطة من النقاط.
وكان لجواسيس السلطة دور شأن في بث الرعب والخوف في صفوف الجماهير المغلوبة على امرها وفي نشر الارهاب والاضطهاد، وقد عاشت اوربا قروناً من الحكم الاستبدادي الذي كانت تعبده الكنيسة في كثير من الاحيان وكانت تتصاعد بين الوقت والاخر اصوات تطالب بحرية الانسان والغاء حكم الطغاة بما يتسمون به من سلطة مطلقة قاهرة، وقد ساهم كثير من الكتاب والمفكرين الغربيين على طول التاريخ الحديث في ارساء نواة لشكل الحكم الذي يقوم على اختيار الشعب او ما يعرف بنظام الحكم الديمقراطي، وهؤلاء الكتاب والمفكرون هم من امثال روسو وتانط وهجل الذين اوصلت جهودهم الوضع السياسي في اوربا وامريكا الى صيغة حكم الاكثرية، فهل وجد الانسان حريته التي ينشدها حقاً في حكم الاكثرية؟ اتراه قد تحرر فعلاً من القهر ومن الارادة ‌الحاكمة المفروضة عليه فرضاً؟ سنقف يا اخي على تجربة سياسية في النظام الديمقراطي الغربي عبر عنها احد المفكرين في القرن التاسع عشر الميلادي، فمن هو هذا المفكر؟ وما هي حكايته؟
المفكر الفرنسي الكسيس ديكتوفيل هو اول من نبه الاذهان في الغرب خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر الى طغيان الاغلبية وذلك في كتابة الهام الديمقراطية في امريكا الذي صدر الجزء الاول منه عام ۱۸۳٥ والثاني ۱۸٤۰.
ان ديكتوفيل هذا يرى ان اهم مشكلات المجتمع الديمقراطي التي تشكل خطراً على الحرية هي هذا الطابع الاستبدادي الدكتاتوري للاغلبية وتشكل خطراً على حرية الفرد خلال تسلط الرأي العام، يعتقد ديكتوفيل ان لا بد ان تكون هناك بأستمرار وفي كل مجتمع قوة او سلطة تقود المجتمع وتحكم اعضاء هذا المجتمع، يقول لكني اعتقد ان الحرية تتعرض للخطر ما لم تحكم هذه السلطة قيود تعيق انفلاتها او تجبرها على ان تخفف مما تمارسه من عنف، ان السلطة التي لا حدود لها ولا قيود عليها هي سلطة سيئة بطبيعة الحال بل انها تولد منزلقاً خطراً لا تؤمن عواقبه لان البشر فيما يرى هذا الكاتب غير مؤهلين لاستخدام السلطة بحرص وحذر.
ان الله وحدة القادر على كل شيء وهو صاحب السلطة المطلقة لكنه بحكمته وعدالته قادر دائماً على ممارسة سلطانه بقدر من المساواة الحكيمة في حين لا توجد سلطة ارضية تستحق التكريم لذاتها او تستوجب الطاعة لما تمثله من حقوق بحيث اوافق على ان يكون لها سلطان شامل بغير ضوابط، ويقول في اعقاب كلامه هذا انني عندما حق الحكم المطلق يمنح للناس او للملك للارستقراطية او الديمقراطية لحكم الفرد او حكم الجمهور لا استطيع ان امنع نفسي من ان المح بذور الطغيان، ثم يطيق ديكتوفيل هذه الفكرة على الديمقراطية في امريكا على نحو ما شاهده بنفسه يقول انني اعتقد ان السر الاكبر في المؤسسات الديمقراطية الحالية في الولايات المتحدة لا ينشىء من ضعف هذه المؤسسات بل من المغالاة في قوتها فلا توجد ضمانات كافية ضد الطغيان ويسوق ديكتوفيل امثلة لما يقول، عندما يلحق الاذى بفرد او بحزب فألى من يتجه بالشكوى لرفع هذا الاذى؟ انه اذا اتجه الى الرأي العام وجد ان هذا الرأي العام يشكل الاغلبية المتحكمة واذا اتجه الى الهيئة التشريعية وجد انها تمثل الاغلبية وتطيع تعاليمها واوامرها طاعة تامة، واذا اتجه الى السلطة التنفيذية رأى انها معينة من قبل الاغلبية لتكون اداة طيعة في خدمتها واذا اتجه الى المحلفين وجد انهم الاغلبية وقد منحوا حق الفصل في القضايا القانونية بل ان القضاة انفسهم تنتخبهم الاغلبية في بعض الولايات فمهما كان الشر الذي يصيبك جائراً او غير معقول فأن عليك ان تذعن له قدر استطاعتك.
هذه الكلمات التي تدق اجراس الخطر عزيزي المستمع وقف جون استوارتنل يتأملها طويلاً، ثم راح يدعمها بكل قوة في كتاب له بأسم الحرية قال فيه لقد اصبحت فكرة طغيان الاغلبية تندرج الان بين الموضوعات السياسية النظرية بوصفها شراً ينبغي على المجتمع ان يحترس منه ويرى نل ان طغيان الاغلبية كان ينظر اليه برعب في باديء الامر شأنه شأن الوان الطغيان الاخرى.
وقد ادرك كتاب اخرون ان المجتمع نفسه عندما يتحول الى طاغية ضد افراده الذين يؤلفوته بأعتبارهم افراداً فأن وسائل طغيانه لا تنحصر فيما قد يقوم به من اعمال على ايدي الموظفين الرسميين ومن ثم فلا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم بل ينبغي ايضاً حمايته من طغيان الرأي العام او حمايته من نيل المجتمع ان يفرض ارادته وميوله على الافراد وكذلك ينبغي حماية الانسان من محاولة اعاقة نموه ومنع تشكل شخصيته، ويرى نل ان هناك حداً للتدخل المشروع الذي يقوم به الرأي العام في الدول الغربية في استقلال الفرد ومن هنا كانت المشكلة في العثور على هذا الحد والمحافظة على الوقوف عنده، حتى تتولد الظروف المناسبة للعمل الانساني وتحميه في الوقت نفسه من طغيان الاغلبية التي كثيراً ما تتمثل في سطوة الرأي العام الغربي، ويحاول نل العثور على‌هذا الحد من خلال سلوك معين وهذا السلوك يعتمد على نقطتين:
الاولى: على كل فرد ان يراعي عدم الاضرار بمصالح الاخرين او على الاقل تلك المصالح التي تعتبر حقوقاً.
والثانية: على كل فرد ان يتحمل ما يصيبه في الاعباء التي يفرضها الدفاع عن المجتمع والتضحيات التي تتطلبها حماية افراده من الاذى والعدوان.
ومن حق المجتمع في هذا النوع من التفكير ان يفرض هذين الشرطين على اعضاءه، ومتى آخر اي جزء من سلوك الفرد بمصالح الاخرين حق للمجتمع ان يتدخل لمنعه.
كانت هذه اعزائنا المستمعين بعض الافكار التي ادخلها جون استوارتنل لاغناء الحركة الليبرالية الغربية وهو في هذه الافكار قد انتقد الفكر الديمقراطي في محاولة للبحث عن صيغة للحياة الانسانية ترفض طغيان الفرد كما ترفض طغيان الجماعة. اخوتنا الاحبة الى ان نلتقي مع الحلقة القادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة