تحية لكم ايها الاخوة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا غرابة في ان انتاج الاقمشة الجميلة من اهم سمات الفن الاسلامي التراثي فقد كان لايران ومصر منذ القديم شهرة واسعة في انتاج المنسوجات اضافة الى الاقاليم البيزنطية في شام وآسيا الصغرى التي كانت تضم قبل الاسلام مراكز هامة لانتاج الاقمشة الحريرية الممتازة وزخرفتها بالرسوم الجميلة، اما مصر فكانت صناعة النسج زاهرة منذ عصر الفراعنة ثم سارت في طريق النمو حتى جاء العصر القبطي فتأثرت في زخارف المنسوجات بتيارين من الاساليب الفنية البزنطية والساسانية، ثم كان فتح مصر فكان الاعتماد اول الامر على الصناع والفنانين الوطنيين وظهرت في صناعة النسج الاسلامية في مصر منسوجات العصر القبطي.
واخذت الكتابة والزخرفة النباتية والهندسية ورسوم الطيور والحيوانات تسود في زخرفة الاقمشة الاسلامية فيها.
وكذلك ذاعت شهرة المنسوجات الايرانية عصر هيرودوت وكان اهل روما يدفعون الاثمان الباهضة للحصول عليها وعلى المنسوجات المصرية، ثم اقبل اهل بيزنطة على تقليدها وبلغت صناعة النسج اوج عزها في العصر الساساني، وقد وصلت الى العصر الحاضر بعض قطع جميلة جداً من المنسوجات الحريرية الساسانية، والزخارف في اكثر هذه القطع مكونة من مجموعات دوائر او اشكال هندسية اخرى فيها رسوم حيوانات او طيور او فرسان في الصيد متقابلة او متجاورة وفي ترتيب هندسي بديع ويفصلها في معظم الاحيان رسم شجرة محورة عن الطبيعة ترمز الى شجرة الحياة او شجرة الخلد، ولما انتشر الاسلام وانصرف الكثير من الناس عن حياة الزهد التي سادت العالم الاسلامي في بداية تاريخه بسبب كراهة الترف وحرمة الثياب الحريرية للرجال لقيت صناعة النسج تشجيعاً خاصاً في الاقاليم الاسلامية المختلفة، لا سيما بعد ان انتشرت عادة الحكام والامراء في مكافأة رجال الدولة بالخلع الثمينة والملابس الفاخرة وقد زاد نشاط التجارة في الشرق الادنى في العصر الاسلامي، وكانت المنسوجات النفيسة تصدر في مصر وايران والشام الى سائر الاقاليم الاسلامية والى اوربا والشرق الاقصى، الواقع ان المسلمين انشأوا عدداً كبيراً من المصانع الجديدة للنسيج في الاقاليم التي فتحوها حتى اصبحوا زعماء تجارة الحرير في العالم انذاك، كما تدل على ذلك بعض انواع الاقمشة التي ما تزال اسماءها باقية حتى الان والتي كان بعضها يستعمل في العصور الوسطى، فالمنسوجات التي كانت تسمى باللغات الاوربية دمسكوس قد اشتق اسمها من دمشق التي كانت مركز التجارة الاسلامية والتي كان الغربيون ينسبون اليها كثيراً من البضائع التي كانت تباع فيها او تستورد منها، مع ان هذه البضائع كانت في الحقيقة تصنع في مناطق اخرى من بلاد المسلمين، وكلمة موسلين نسبة الى الموصل التي كان الايطاليون في العصور الوسطى يستوردون منها المنسوجات الحريرية وكذلك الاقمشة التي كان الاوربيون يعرفونها بأسم ريناديين اشتقت من غراندا او غرناطة وهناك اسماء اخرى اوربية لانواع من المنسوجات مشتقة من اللغتين العربية والفارسية. عرف العالم الاسلامي في العصور الوسطى ايها الاخوة نظاماً خاصاً في مصانع النسج، فقد كانت هذه المصانع حكومية بحتة او تحت رقابة حكومية شديدة وقد وصلت الى عصرنا قطع من المنسوجات المصنوعة في المناسج الحكومية او دور الطراز كما كانوا يسمونها، وكان هناك نوعان من مصانع النسج او الطراز الاول، طراز الخاصة وكان لا يشتغل الا للحاكم ولرجال بلاطه وحاشيته والثاني طراز العامة وكان ايضاً تحت رقابة الحكومة ولكنه كان يشتغل لافراد الشعب فضلاً عن الحاكم إذا دعت الحال، ولفظ طراز مشتق من كلمة فارسية ترازيدن بمعني التطريز والنسج ثم اصبح يدل على ملابس الحاكم او الامير او السلطان او الحاشية ولا سيما إذا كان فيها شيء من التطريز وعليها اشرطة من الكتابة فيها اسم الحاكم الذي نسجت في عهدة اضافة الى التاريخ وبعض العبارات الدعائية ثم اتسع معنى الطراز في العربية والفارسية فغدا يشمل المكان والمصنع الذي تنسج فيه مثل تلك الاقمشة. ومما كان يشجع صناعة النسج في العصر الاسلامي ان الحكام والامراء كانوا يتبارون في ارسال الكسوة السنوية الى الكعبة الشريفة، من المنسوجات النفيسة التي كانت العناية بنسجها عظيمة جداً، ولم يكن غريباً ان يعنى الحكام والامراء بكتابة اسماءهم على هذه الاقمشة الثمينة تخليداً لذكراهم ووثيقة لمن خلعت عليهم اظهاراً لرضاء الامير او علامة على تولي احدى الوظائف المهمة في الدولة.
كانت الحكومة المصرية تراقب صناعة النسيج الاهلية مراقبة دقيقة، والاقمشة كانت تختم بخاتم رسمي ولم يكن يتولى تجارتها الا تجار تعينهم الحكومة وعليهم تقييد ما يبيعونه في سجلات رسمية، كما كان لف الاقمشة وحزمها وربطها وشحنها يقوم به عمال حكوميون يتناول كل منهم ضريبة معينة، وكانت معظم المراكز الرئيسية للنسج في مصر يكثر فيها الاقباط. والقطن والكتان مما كان ينسج في المناطق المصرية المختلفة ولا سيما في الدلتا في مدينة تنيس والاسكندرية ودمياط وشطى ودبيق والفرما.
كما اشتهرت بنسجهما مدينة البانسا في مصر الوسطى، اما الاقمشة الحريرية فكانت تنسج في الاسكندرية وفي دبيق، وفي مدينتي اخيم واسيوط مصانع نسج ايضاً اذ كانتا مركزين عظيمين لصناعة النسج في العصر القبطي وكثيراً ما صدرتا الى بيزنطة وروما نفائس المنسوجات التي كانت تستعمل في الكنائس والاديرة.
وقد ظلت الزخارف القبطية غالبة على المنسوجات المصرية في القرون الثلاثة الاولى بعد الهجرة اي من القرن السابع الى القرن العاشر الميلادي وخير دليل على ذلك قطع المنسوجات التي عثر عليها في بعض المدن في الوجه القبلي وفي الفسطاط وهي من الصوف والكتان وزخارفها متعددة الالوان واكثرها رسوم طيور او حيوان او اشكال ادميه صغيرة في جامات بيضية الشكل متعددة الاضلاع، او موزعة توزيعاً غير منتظم، وفيها اشكال هندسية وخطوط متقاطعة ودوائر متماسة والملاحظ بوجه عام ان قوام التصميم في الزخرفة كان شريطاً افقياً او اشرطة افقية توازيه او توازيها اشرطة من الكتابة في بعض الاحيان وفي بعض المتاحف قطع من النسيج عليها زخارف تشبه الرسوم التي كانت في الجص والخشب اللذين يرجعان الى العصر الطولوني مما يرجح ان هذه القطع هي من نسج هذا العصر، وفي متحف الفن الاسلامي بالقاهرة عدد من قطع النسيج بأسماء الامراء الطولونيين والمعروف ان الجزية التي كانت مصر ترسلها الى الخليفة العباسي ثم الهدايا التي ارسلها ابن طولون الى الخليفة المعتمد وتلك التي ارسلها خمارويه من بعده الى المعتضد كان فيها شيء كثير من المنسوجات النفيسة، ومن هذه القطع واحدة بأسم المعتمد تاريخها سنة ۲۷۸ للهجرة وهي تشبه قطعة اخرى بأسم المعتمد عثر عليها في سامراء وهي محفوظة الان في الجناح الاسلامي من متاحف برلين، وثمة قطعة اخرى بأسم المكتفي بالله والامپر الطولوني هارون ابن خمارويه تاريخه سنة ۲۹۱ للهجرة اي قبل سقوط الدولة الطولونية بعام واحد.
وظل الحكام العباسيون في عهد الاخشيديين يستمدون من مصر اكثر ما يلزمهم من المنسوجات النفيسة المحلاة بكتابات كوفية فيها العبارات والادعية المعروفة بيد ان اسماء الوزراء لم تعد تظهر في تلك الكتابات، ومن المنسوجات التي تنسب الى القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة مجموعة من القطع يرجح انها من صناعة الفيوم والمعروف ان اقليم القيوم اشتهر في تاريخ الفن الاسلامي ببعض منتجاته التي كانت بعيدة في اغلب الاحيان عن الرقة ودقة الصناعة وجمال الذوق وبعض القطع في هذه المجموعة منسوجة من الكتان ورسومها منسوجة بخيوط من الصوف وبعضها الاخر منسوجة رقعته ورسومه من الصوف اما الزخارف فقوامها رسوم آدمية ورسوم حيوانات وطيور وكلها ذات طابع بدائي ومحورة عن الطبيعة اضافة الى ما في الوانها من تباين ظاهر وفي بعض تلك القطع كتابة بخط كوفي بطابع خاص يمتاز بما في قوائم حروفه من تدرج، ثم جاء العصر الفاطمي فشهدت صناعة النسج وفن زخرفة الاقمشة تطوراً واضحاً مما سنتعرف عليه في قادم اللقاء. ودمتم بخير والسلام عليكم.
*******