السلام عليكم ايها الاحبة ورحمة الله وبركاته. ثمة انواع فنية متعددة تجلى فيها الفن الاسلامي التراثي، كان من بينها فن النسج بما فيه من زخارف والوان وقفنا فيه على ما ابدعته ايران وما انتجته مصر في عصر الانتقال حتى اذا جاء العصر الفاطمي تعاظمت العناية بصناعة النسج وكانت وظيفة صاحب الطراز اي المشرف على شؤون النسج في البلاد لا يتولاها الى احد كبار الموظفين المقربين من الخليفة وكانت هناك اصناف من المنسوجات الحريرية لا تصنع الا للحكام ومع ذلك كان افراد الرعية يحصلون على اقمشة اخرى نفسية جداً وكانت الجلابيب والاقمصة والعمائم والاخرمة تصنع من اقمشة غالية تزينها اشرطة مشغولة بالحرير، اخذ حجمها بالزيادة حتى صارت في القرن السادس الهجري تغطي معظم الارضية الكتابية في الاقمشة، وكثيراً ما كان الخلفاء والامراء يأمرون بصناعة المنسوجات الفاخرة لاهداءها الى غيرهم من الامراء الذين كانوا يطلبون ودهم او تربطهم بهم علاقات الصداقة وحسن الجوار.
وقد زار ناصر خسرو الرحالة الفارسي مصر في منتصف القرن الخامس الهجري واعجب بما كان ينسج في مدينة تنيس من قصب ملون تصنع منه ثياب النساء وكذلك العمائم والقلنصوات وقال: «ان مثل هذا القصب الجميل لا يصنع في اي مكان آخر» وانه سمع ان امير مقاطعة فارس في بلاد ايران ارسل عشرين الف دينار الى تنيس ليشتري بها ثوباً من النسيج الملكي ولكن وكلاءه اقاموا في مصر سنين عديدة دون ان يحصلوا على مطلبهم، كما روى ناصر خسرو ان مصانع تنيس كانت تنسج نوعاً من القماش يسمى البوقلمون يتغير لونه بأختلاف ساعات النهار ويصدره المصريون الى بلاد المشرق والمغرب، ولعل اهم انواع المنسوجات الفاطمية من حيث الزخرفة اربعة انواع تكاد تمثل العصور الرئيسية في حكم هذه الدولة:
النوع الاول: وهو يمثل عصر المغرو العزيز والحاكم، يرجع الى نهاية القرن الرابع الهجري وبداية القرن الخامس، وكان قوام زخارفه اشرطة من الكتابة توازيها اشرطة اخرى بها جامات سداسية او بيضية الشكل او معينات قد تتداخل بعضها ببعض وفيها رسوم حيوان او طائر او رسم حيوانين او طائرين متقابلين او متدابرين او رسم وردة، الملاحظ ان الرسوم الزخرفية محصور بين سطرين متعاكسين من الكتابة الكوفية، ومن امثلة هذا النوع قطعة من شاش اسود في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة عليها كتابة كوفية بحروف كبيرة في سطرين متوازيين احدهما مقلوب يقرأ في عكس اتجاه الاخر ونص السطر العلوي «بسم الله الرحمن الرحيم»«نصر من الله لعبده» وفي السطر السفلي «الحاكم بأمر الله امير المؤمنين» وتحت الكتابة شريط اصغر فيه رسم مكرر لطائرين متقابلين باللون الازرق، ومن امثلته ايضاً قطعة من شاش ابيض محفوظة في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة ايضاً عليها ثلاثة اشرطة منسوجة من حرير احمر وازرق اهمها الشريط العلوي المكون من ثلاثة مناطق، في الوسطى رسم طيور كل اثنين منهما متقابلان وذلك باللون الابيض على ارضية زرقاء وفي المنطقتين العليا والسفلى سطران من كتابة كوفية بحروف دقيقة بيضاء اللون على ارضية حمراء ونص الجزء الظاهر من هذه الكتابة هو في السطر الايسر «ووليه المنصور ابي علي الامام الحاكم بأمر الله امير المؤمنين ابن الامام العزيز بالله» والايمن «المؤمنين وولي عهد المسلمين وخليفة امير المؤمنين ابو القاسم عبد الرحمن» ويلاحظ على هذه القطعة التطور الذي بدأ في حجم الحروف لتسير نحو الصغر والجمال الزخرفي.
اما النوع الثاني: في زخرقة المنسوجات الفاطمية تمثل عصر الظاهر والمستنصر اي من بداية القرن الخامس الى نهايته وقد زاد فيه الاقبال بالاشرطة الزخرفية واتسعت وحدتها وكان قوامها جامات ومناطق صغيرة فيها رسوم طير او حيوانات تحصرها سطور من الكتابة الكوفية المتعاكسة ويلاحظ ان الفراغ القائم بين قوائم الحروف مزين بفروع نباتية دقيقة، ومن امثلة هذا النوع قطعة من نسيج دقيقة محفوظة في متحف القاهرة وعليها ثلاثة اشرطة، الاول والثالث منها يضمان زخرفة من جامات وعلى شكل معين وفي كل جامة رسم طائرين متقابلين بألوان مختلفة من احمر وازرق واصفر واسود والشريط الاوسط فيه مثل هذه الجامعات محصورة بين سطرين من الكتابة الكوفية بأسم الخليفة المستنصر ووزيرة بدر الجمالي ويشاهد ان الكتابة في بعض القطع من هذا النوع تطورت لتغدو عنصراً زخرفياً فحسب بل انها عذت في بعض الاحيان مقاطع او كلمات تتكرر، وكانت بعض القطع تخلو من الكتابة فيتجلى ما فيها من الابداع في الزخارف النباتية ورسوم الطيور والحيوانات الصغيرة.
اما النوع الثالث: ايها الاخوة فلعله يمثل عصر المستعلي بالله والامر بأحكام الله في الربع الاخير من القرن الخامس والربع الاول من القرن السادس بعد الهجرة وتتطور فيه الزخرفة فنرى الى جانب العناصر القديمة عناصر اخرى جديدة مثل الاشرطة والجدائل التي تتموج وتتداخل فتحصر بينها جامات تضم رسوم طيور او حيوانات او كؤوس فيها فاكهة وقد نرى سطوراً من الكتابة الكوفية بأسم الخليفة ووزيره كما يبدأ في كتابته ظهور خط النسخ.
ومن ابدع الامثلة المعروفة من هذا النوع ملاءة محفوظة في كنيسة ان بمدينة ات في جنوب فرنسا وهي منسوجه من كتان رقيق جداً وطولها ثلاثمئة وعشر سانيمترات وعرضها مئة وخمسون سانتميراً، وفيها ثلاث اشرطة متوازية تمتد في طولها والشريطان الخارجيان تزينهما جامات وتحف بهما كتابة بحروف دقيقة زرقاء والشريط الاوسط عليه زخارف من دوائر ذهبية تتداخل بعضها في بعض وتقطعها ثلاث جامات مستديرة محاطة بكتابة من حروف كوفية كبيرة منسوجة باللون الاحمر وقد ثبت من الكتابات في الجامات الثالث ان هذه الملاءة نسجت في طراز الخاصة بدمياط، وان عليها اسم الخليفة المستعلي الذي حكم من سنة ٤۸۷ الى سنة ٤۹٥ واسم وزيرة الافضل شاهنشاه وانها نسجت سنة ٤۸۹ للهجرة.
وزخارف الشريط الاول في الملاءة قوامه دوائر متداخلة وارضيتها مذهبة وفيها خطوط سود صغيرة تقسمها الى مناطق متجاورة والفراغ الناشيء بين الدوائر عند اتصالها مزين برسوم ووريقات شجر ذات فصين او ثلاث، وفي دير كادوان في مدينة بيجورد في جنوب فرنسا كفن من كتان طوله مئتين وواحد وثمانين وعرضه مئة وثلاثة عشر سانتيمتراً وعليه كتابة بالخط الكوفي المورق بأسم الخليفة الفاطمي المستعلي بالله ووزيرة الافضل، وتلاحظ في هذه الكتابة الروح الزخرفية وما ترتب على الميل الى التناسب والتناسق من حذف بعض سيقان الحروف ووجود سيقان لاحاجة اليها وانما وضعت للزخرفة فحسب.
اما النوع الرابع: في زخرفة المنسوجات في العصر الفاطمي فترجع الى نصف القرن الاخير من حياة هذه الدولة في القرن السادس الهجري، وعماد زخارفه جدائل تتقاطع وتتشابك فتألف جامات فيها رسوم حيوانات او رسوم نباتية، اما الكتابة فهي بخط النسخ، وفي هذا النوع اشرطة تزدحم في النسيج فتكاد تغطيه ومن امثلة هذا النوع قطعة في متحف القاهرة منسوجة من كتان وحرير وذات لون اصفر ذهبي وتزينها زخارف على هيئة معينات، وقد عرف الصناع في العصرين العباسي والفاطمي تزيين المنسوجات بالزخارف المنسوجة فوقها والمطبوعة عليها وكانت معظم الزخارف المنقوشة مذهبة او باللونين الاحمر والبني، وكانت بعض مصانع النسيج تنقش شاراتها على المنسوجات وقد وصلت الى عصرنا بعض هذه القوالب وهي ما تزال محفوظة في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة.
الى هنا ايها الاخوة نأتي الى نهاية برنامجنا حتى نلتقي نستودعكم الله والسلام عليكم.
*******