السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. انتقلت الريادة الثقافية الى مراكش في بلاد المغرب منذ ضم المرابطون بلاد الاندلس الى سلطانهم بعد ان كانت هذه الزعامة للاندلس في عهد الدولة الاموية الغربية.
وكان ذلك ايذاناً لتغيير في ميدان الفن الاسلامي في المغرب، كما المرابطون من اهل التقشف والبساطة فلم يلق الفن على يدهم عناية كبيرة ثم خلفهم الموحدون الذين استوى على ايديهم الطراز المغربي الاندلسي في منتصف القرن السادس الهجري وتوقف تطوره منذ القرن التالي بيد ان مراكش ظلت وفية لهذا الطراز الى الوقت الحاضر وان كان مظهره فيه لا يتجاوز تقليد الاساليب الفنية القديمة والمحافظة على تراث الصناع المسلمين في العصور الوسطى، الملاحظ في الطراز المغربي انه لم يتأثر بغيره من الطرز الاسلامية تأثراً كبيراً وان تطوره كان بطيئاً بالقياس الى تطور سائر الطرز الاسلامية وكان اهم المراكز الفنية في هذا الطراز اشبيلية وغرناطة ومراكش وفاس ولم يأتي الطراز المغربي بالجديد في تصميم المساجد اذ ظل ما كان معروفاً في القيروان وقرطبة متبعاً في تصميم مساجد هذا الطراز وبقيت مميزات الصحن والايوانات والمجاز العريض والمرتفع الذي يؤدي الى المحراب في ايوان القبلة بيد انه استخف استعمال الاعمدة واستعملت اكتاف من الاجر مسننة الاركان وعقود على هيئة حدوة الفرس مستديرة تماماً او مدببة قليلاً وكانت هذه العقود منخفضة في معظم الاحيان مما يضفي على المسجد طابعاً من الجلال والهيبة اما المنارات فكانت تبنى غالباً من الاجر على شكل برج مربع تعلوه شرفات كأسنان المنشار ثم برج اصغر حجماً وفي جوانب البرج او المنارة صفوف من النوافذ ذات الحليات العمرانية الجميلة وكانت المنارة تقام عادة في وسط الجهة المقابلة لايوان القبلة ومما يلاحظ ان بعض المساجد في انحاء العالم الاسلامي لها مأذنتان او ثلاث او اربع ولكن مساجد المغرب ليس لها الا مأذنة واحدة.
وادخل سلطان الموحدين يعقوب المنصور بناء المدرسة في المغرب والاندلس في نهاية القرن السادس الهجري بيد ان المدارس في تلك البلاد ظلت وقفاً على التدريس ولم تؤثر عمارتها في تصميم المساجد اي تأثير واهم ما في هذه المدارس ما اتسمت به زخارف غنية ومن ضروب العمائر المغربية المتصلة بالمدرسة الزاوية وكانت تشاد لتعليم اتباع طريقة من الطرق الدينية الى جانب ضريح احد الاولياء وكانت تجمع بين المدرسة والضريح والخانقاه، اما العمائر المدينة فقد كان نصيبها من العناية ضئيلاً في عصر المرابطين اذ كانوا اهل تقشف وحروب وانصرفت عناية الموحدين الى العمائر الدينية اكثر من القصور فلن نعرف عن قصورهم شيئاً الا بعض الاطلال في مقرهم بأشبيلية بيد ان قصر الحمراء هو ما بقي من آثارهم العمرانية واسم الحمراء مشتق من بني الاحمر وهم بنو نصر الذين حكموا غرناطة بين عامي ٦۲۹ و۸۹۷ للهجرة، وقيل ايضاً ان اصله التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي شيد عليه القصر، وقيل كذلك ان جزءاً من القلاع المجاورة لقصر الحمراء كان يعرف منذ نهاية القرن الهجري الثالث باسم المدينة الحمراء وعلى مقربة من قصر الحمراء آثار قصر صغير كان ملوك غرناطة يقضون فيه فصل الصيف وهو جنة العريف او جنان العريف ويرجع هذا القصر الى بداية القرن التاسع وما تزال بعض اجزاءه القديمة ماثلة، ومن العمائر المغربية التي ذاع صيتها المارستان الذي شاده في مراكش ابو يوسف يعقوب المنصور في القرن السابع الهجري واشتهر بعظم مساحته وجمال عمارته وزخارفه وكان بناء الحمامات في الطراز المغربي متأثراً بأساليب بناءها لدى الرومان، اما الاسواق والقيصريات فكان يضمها حي مستقل على مقربة من المسجد الجامع. وما تزال بعض اجزاءها قائمة في تونس وكان سقفها من اقبية طويلة نصف اسطوانية مصنوعة من الاجر وتحملها اعمدة رشيقة.
وشيدت الاسوار والقلاع والحصون فحلت الابراج المضلعة محل المستديرة منها وازدادت العناية بأبراز الابواب وزخرفتها وقل بناء الجدران بحجارة النحت ومن الاسوار التي يرجع معظم اجزاءها الى عصر الموحدين اسوار مدينة تلمسان ومدينة فاس القديمة وكذلك مدينة مراكش، وكان لمدينة الرباط سور محصن اساسه رباط كما يتبين من اسم المدينة ثم حل محله قلعة تسقط منحدراتها رأسياً نحو المحيط الاطلسي ولها بابان كبيران بعدهما ردهتان تقوم فوق كل منهما قبة وما يزال هذان البابان قائمان الى اليوم وما يزال في مدينة طليطلة جزء من سورها وفيه باب يرجح انه يعود الى القرن الخامس الهجري يقال له باب الشمس.
ان اول ما ينبغي ان نلاحظه في طراز العمارة المغربي هو الاسراف في زخرفة العمائر ولم يظهر هذا الاسراف في عصر الموحدين ظهوراً جلياً وانما كان جلياً كل الجلاء في عمائر القرن الثامن الهجري وهي العمائر التي تعرف احياناً بأسم طراز الحمراء لان المعروف ان الفنانين كانوا يستقدمون من غرناطة الى سائر المدن الاندلسية والمغربية فنقلوا اليها الاساليب الفنية التي عرفوها في قصر الحمراء.
والعنصر الفني الاول في هذا الطراز الذي ينسب الى قصر الحمراء هو تغطية المساحات بالزخارف التي بلغت في الغنى والدقة والتنويع حداً يستجلب الاعجاب كله وكان كل العناصر العمرانية ثانوية بالنسبة الى تلك الزخارف الدقيقة ولاسيما ما كان منها محفوراً في الجص او مصنوعاً منه، وكان للمقرنصات شأن عظيم في زخارف هذا الطراز كما امتازت ايضاً بتكرار شارة ملوك غرناطة وهي عبارة «لا غالب الا الله» وبعض الزخارف الكتابية بالخط الكوفي ذي الحروف المتشابكة والمعقودة، ومن الاساليب الفنية المتصلة بطراز العمارة المغربي طراز المدجنين والمدجنون هم المسلمون الذين عاشوا في المدن الاندلسية بعد ان سقطت بأيدي النصارى وقد عمل الفنانون من اولئك المسلمين على الاحتفاظ بقسط وافر من اساليبهم الفنية الموروثة ولكنهم ادخلوا عليها بعض التعديل المناسب للبيئة الجديدة ولما كان سقوط المدن الاندلسية بيد النصارى حدث في اوقات مختلفة فأن طراز المدجنين غير مقيد بمدة معينة ولكنه يمثل مرحلة في تطور الفن الاسباني من الطراز المغربي الى الطراز الذي ساد عصر النهضة الاوربية، وفي ختام هذه الجولة في فن العمارة الاسلامية في بلاد المغرب من النافع العودة الى اثر من اهم الاثار الباقية من هذا الفن وهو ما يتمثل بقصر الحمراء. بدأ تشييد هذا القصر في القرن السابع الهجري وترجع بعض اجزاءه الى القرن التاسع ولكن معظمها هو من نتاج القرن الثامن وقوام هذا القصر ثلاثة اقسام:
الاول: هو المشور الذي يعقد فيه المجلس مجلسه ويصرف امور حكمه.
والثاني: قسم الاستقبالات الرسمية ويشمل الديوان وقاعة العرش.
والثالث: قسم الحريم ويضم المساكن الخاصة بالملوك ونساءهم ومن ابدع اجزاء هذا القصر عمرايناً حوش الريحان وتتصل بساحته قاعة العدل وقاعة السفراء وينقتح هذا الجزء من القصر على صحن السباع وهو اوسع ما في القصر شهرة وقد بني في منتصف القرن الثامن الهجري. ودمتم سالمين الى لقاء آخر.
*******