ايها الاخوة المؤمنون سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات. انه لوعد الهي محتوم ان تعيش البشرية في آخر مراحل حياتها على الارض حياة سعيدة واقعية ملئها القسط والعدل وان تتذوق حقاً طعم حقيقة التوحيد ذلك وعد غير مكذوب لا يجري عليه التغيير والبدال، ادخر الله جل جلاله له صفيه وحجته على خلقه الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت (عليهم السلام)، الحجة بن الحسن العسكري (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويومئذ تشرق الارض بنور ربها ويفرح المؤمنون بنصر الله.
وفي الحديث عن الغيبة المستسرة والظهور الكبير ثمة اضاءات قرآنية وروائية نهتدي بهداها ونتبين من خلالها ملامح الطريق:
الاضاءة الاولى: نلاحظ في الآيات والروايات تعابير عديدة مثل المهدي والقائم وبقية الله ونور الله والحجة الغائب وصاحب الامر وصاحب الزمان وخليفة الله هذه الاسماء والصفات وسواها انما هي تعبير عن حقيقة في عمل مصلح آخر الزمان وفي خصائصه حيث ينهض (سلام الله عليه) لانقاذ المجتمع البشري وتأسيس دولة عالمية واحدة فيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
الاضاءة الثانية: ان كافة امم الارض ستسلم لهذا الامام العظيم بأعتباره قائد البشرية ودليلها وربان سفينتها ومن هنا اشارت الاية الثامنة والسبعون من سورة آل عمران «وله اسلم من في السماوات والارض طوعاً وكرهاً» ويذكر الامام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الاية انه لا يظل موضع في الارض عند قيام القائم (عليه السلام) الا ويذعن اهله للدين الحق وللمعتقد الصحيح فينضوون تحت لواء حكومة العدل الالهي.
الاضاءة الثالثة: من اسماءه سلام الله عليه الامام الغائب او الحجة الغائب وهذا مما لا ريب فيه لدى المسلمين المعتقدين به ومعنى هذه الكلمة انه يكون بين الناس لكن لا يعرف، يقول القرآن الكريم في وصف المتقين «الذين يؤمنون بالغيب» ومن الغيب الايمان بالامام الغائب كما في حديث للامام الصادق (عليه السلام).
الاضاءة الرابعة: ان الله تبارك وتعالى يجمع للامام القائم (سلام الله عليه) اصحابه في وقت ظهوره وخروجه وقيامه بالحق وهؤلاء سواء كانوا ثلاثمئة وثلاث عشر ام ما يزيد على هذا العدد من خواص اصحابه وناصريه يجتمعون اليه من شتى الاماكن والبقاع في وقت قصير ليكونوا تحت امرته وقيادته وسيكون مصداق الاية الشريفة من سورة البقرة «اين ما تكونوا يات بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير» كما يوضح هذا حديث للامام الصادق (عليه السلام).
الاضاءة الخامسة: الوضع البشري والدولي قبيل ظهور الامام المهدي (عليه السلام) لابد ان يضج بالظلم والجور والعدوان والدول المتجبرة الكبرى تنهب العالم وتوجه الافكار نحو الرذيلة والبعد عن القيم السليمة. وقد نصت العشرات من الاحاديث على ان الامام بنهضته المرتقبة المقدسة المرتقبة سيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
الاضاءة السادسة: بعد الحركة الانقاذية التي يقودها الامام المهدي (عليه السلام) بوقت قصير ينمحي الظلم من الارض وسيدق عروش الظالمين والمتسلطين على رقاب الناس ويطهر الارض من سلطة الدول الكبرى الباغية. وبهذا ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) تفسير الاية الكريمة «جاء الحق وزهق الباطل» وتفسير الاية «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» قال (عليه السلام): انه لم يجيء تأويل هذه الاية ولو قد قام قائمنا فسيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الاية وليبلغن دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الارض كما قال الله.
الاضاءة السابعة: ستبدأ حياة الارض في ظهور الامام الغائب (عليه السلام) من جديد بعد تطهيرها من الكفر والجور كما قال الامام الباقر (عليه السلام) في تفسير الاية الكريمة: «اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها» قال: يعني يصلح الارض بقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعد موتها يعني من بعد جور اهل مملكتها، «قد بينا لكم الآيات» ‌اي بقائم آل محمد«لعلكم تعقلون».
الاضاءة الثامنة: في ظهوره يعز المؤمنون الذين كانوا يعانون من الظلم والاضطهاد وستبسط ايديهم في الارض يحكمونها ويصلحونها وينشرون فيها الامن والسلام، قال تعالى: «وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا» وقد جاء عن الامامين السجاد والصادق (عليهما السلام) انها في المهدي (عليه السلام) وان من المعروف (عليه السلام) معز الاولياء.
الاضاءة التاسعة: عند واقعة الظهور المقدس ينزل عيسى (عليه السلام) من السماء ليصلي مقتدياً بالامام (عليه السلام) مما يحدث حركة في صفوف النصارى لما يرون المسيح المنتظر لديهم مرافقاً للامام فيسارعون للايمان به والاتباع، تقول اية سورة النساء في صدد المسيح (عليه السلام): «وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته» وفي حديث الامام الصادق (عليه السلام) حول الاية الكريمة يوضح الامام انه لا يبقى نصراني الا ويؤمن بالمسيح قبل موته في زمن الظهور، عند ما يرون المسيح يصلي خلف المهدي (عليه السلام).
الاضاءة العاشرة: انه (عليه السلام) يفتح الارض كلها كما في حديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان المهدي هو من يفتح الله على يديه العالم من المشرق الى المغرب وفي قوله تعالى من سورة الحج «الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة» يقول الامام الباقر (عليه السلام) فهذه لآل محمد (صلى الله عليه) الى آخر الائمة والمهدي واصحابه يملكهم الله مشارق الارض ومغاربها، انه هو واصحابه وارث الارض المذكورون في سورة الانبياء «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون» وفي حديث الامام الباقر (عليه السلام) هم اصحاب المهدي (عليه السلام)، وفي تفسير الاية الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض انها في المهدي.
والدعاء‌ للامام في زمان الغيبة‌ من علامات الايمان وانتظار الفرج الالهي الكبير على يديه (عليه السلام) مما اكدت عليه روايات اهل البيت وتوقع ظهوره (عليه السلام) بأستمرار يشحض همة المرء ويقوي معتقده ويصفي عمله لان المرء يظل يترقب هذا الظهور العظيم الذي يمكن ان يقع في اي وقت، اتاها امرنا ليلاً اونهاراً، انه ليجي بغتة كالشهاب الثاقب يصلح الله امره في ليلة ولا ندري متى يتجلى هذا الغيب المبارك الذي ينبغي ان نكون في انتظاره على الدوام، «فقل انما الغيب لله فأنتظروا اني معكم من المنتظرين»، ائمة اهل البيت (عليهم السلام) كانوا يتوجهون الى الله تبارك وتعالى بالدعاء لمهدي آل محمد (سلام الله عليه) وكانوا يعلمون المؤمنين دعاء لحفظ الامام الغائب وتقريب ظهوره وتحريره العالم من انواع الكفر والظلم والتعدي والهوان، لترتفع راية التوحيد من ربوع المعمورة ويعم العدل والامن والرخاء بعد ازمنة طويلة من القهر والذل ذاقتها البشرية في حكم الجبابرة المنحرفين.
من هذه الدعوات لصون امل المستقبل ومنقذ العالم ما جاء عن الامام الهمام الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وهذه فقرات منه «اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك بأذنك، الناطق بحكمتك وعينك الناظرة على بريتك وشاهدك على عبادك المجاهد العائذ بك عندك واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السنة ومقوية الباطل وذلل به الجبارين وادر به الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الارض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم دياراً ولا تبقى لهم آثاراً، اللهم طهر منهم بلادك واشف منهم عبادك واعز به المؤمنين واحيي به سنن المرسلين ودارس حكمة النبيين وجدد به ما انمحى من دينك وبدل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضاً محصناً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه وحتى تنير بعدله ظلم الجور وتطفيء به نيران الكفر وتوضح به معاقد الحق ومجهول العدل اللهم واجعلنا في حزبه القوامين بأمره الصابرين معه الطالبين رضاك بمناصحته حتى تحشرنا يوم القيامة في انصاره واعوانه ومقويات سلطانه يا ارحم الراحمين».
ايها الاخوة المؤمنون ونحن اذ نبارك للامة الاسلامية وللبشرية جمعاء هذه المناسبة الميمونة ندعو الله بفنون الدعوات في ان يعجل في ظهور هذا الامل الموعود وان يجعلنا من انصاره واعوانه انه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******