السلام عليكم ايها الاصدقاء ورحمة الله. قضية مصادر الفن الاسلامي ومنابعه الفنية شكلت احد الموضوعات الكبرى الاكثر اثارة في جل الابحاث والدراسات في المئة سنة الماضية، إذا لم نقل انها كانت الموضوع الاكثر بروزاً والحاحاً، بيد ان الاثارة هنا لا ترجع الى النتيجة التي قال بها معظم هؤلاء الباحثين على انها من المسلمات مفسرة ان الينابيع التي تحدر منها الفن الاسلامي انما تكمن في الفنون البيزنطية والفنون الساسانية التي سبقت الفن الاسلامي في وجودها التاريخي بل ان هذه الاثارة ترجع الى جعلها منطلقاً جوهرياً لقراءة جمالية الفن الاسلامي وتقويم رؤيته الابداعية، قراءة تمكن من العودة الى خصائص الفن البيزنطي او خصائص الفن الساساني، كلما اردنا الاشارة الى خصائص الفن الاسلامي الابداعية والجمالية، المستوى الثاني لهذه الاثارة يكمن في تحول هذه النتيجة الى واحدة من الحقائق العلمية الثابتة التي شكلت النقطة الاولى في المنهج النقدي الذي اتبعته هذه الدراسات والابحاث الكثيرة. فكان ان اسبغ عليها هذا التكرار وهذا التوكيد قيمة اكبر بكثير مما عليه حتى عدت من الحقائق الضرورية في تاريخ الفنون فأذا كان النقد الفني والبحث العلمي يؤكدان دائماً انه يستحيل ان يولد فن من الفراغ او من العدم فلابد على وفق هذا المنطق من فنون حضارة افلت قد ارتكن اليها الفن الاسلامي واستمد منها.
المستوى الثالث في الاثارة يكمن في ان الوقوف ازاء هذه النتيجة يتضمن مواقف اخرى وافتراضات نظرية، هي التي اثارة موجة من المناقشة النقدية واوجدت هذا القلق في التقويم الفني الاخير، ذلك ان القول بتأثر الفن الاسلامي بالفن البيزنطي او الساساني بني على مواقف وافتراضات تقول بخلو الحياة العربية قبل الاسلام من الفنون العالية وخاصة من فن العمارة الذي يمكن ان تشكل مصدراً من مصادر الفن الاسلامي الجديد، ان معظم الذين بحثوا هذه المسألة قد احتموا وراء فكرة ان العرب قبل الاسلام لم يعرفوا فناً رفيعاً سواء كان في فنون العمارة ام الزخرفة ام الهندسة، يمكن الوقوف عنده كمصدر يمكن الانتقال منه لتقويم الفن الجديد الطالع في الارض نفسها وفي المجتمع نفسه، اما المستوى الرابع من الاثارة فأنه يجيء من الصراعات والمشكلات الحضارية العالقة التي تذكر بها او تشير اليها بطريقة غير مباشرة هذه النتيجة نفسها، فالاشارة الى الفن البيزنطي او الساساني كمصدرين للفن الاسلامي تذكر بالصراع الديني والقومي في مظاهرهما التاريخية، كما انها تذكر بالصراع السياسي والقومي بين الشرق والغرب من جهة وبين الشرق والشرق من جهة اخرى من خلال مظاهرهما الحديثة، وهكذا حال هذا التداخل بين الشأن الديني والشأن الفني وبين الشأن السياسي والشأن الفني وبين الشأن القومي والشأن الفني وبين الصراع الطويل الطويل ما بين الشرق والغرب وبين الشأن الفني وهي شؤون من الصعب تجاوزها او تحييدها حال دون الوصول الى حوار نقدي علمي صاف وبناء او موضوعي في الاقل.
وانطلاقاً من هذه الملاحظات لابد لنا فيما نسعى اليه من قراءة للفن الاسلامي ان نعيد ترتيب الاسئلة التي يطرحها بين ايدينا في خصائصه وصفاته او في رؤيته الجمالية نفسها، القول بتأثر الفن الاسلامي بالبيزنطي او الساساني او غيرهما لن يقدم لنا الشيء الكثير او الركيزة الاساس للكشف عن خصائصه الجمالية والابداعية في المنهج المتبع في هذه الدراسات. ان المشكلة او الاسئلة الصعبة ليست في تفتيش المصادر وتسميتها واعلان ذلك على انه حقائق علمية غير قابلة للشك بل المطلوب هنا هو الوقوف ازاء التحولات التي حدثت لهذه المصادر في انتقالها الى الفن الجديد، الاسئلة التي يطرحها الفن الاسلامي تنبع من تلك السرعة المدهشة التي كان فيها هذا الفن في سنواته الاولى فناً متكاملاً في رؤيته وحضوره ليستمر بعدها اكثر من الف عام من دون ان يطرأ عليه خلال هذه الالف عام تبدل او تغير عميق وجوهري في فلسفته ورؤيته وخصائص ابداعيته، السؤال اذن عن تكلم الاسباب والعوامل التي حددت منذ البداية اتجاهات هذا الفن وميادينه واهدافه وطريقه، وهكذا لا تظل قضية المصادر مهمة في نفسها ولا تشكل قضيه فنية كبرى كذلك لا يغدو الرد لها او مناقشة صوابها او غلطها قضيه تستحق البحث وانفاق الوقت والجهد.
ذلك ان القضية مستكنة في المنطق الذي حدد عملية التأثر وهيمن عليها موضحاً نقاط الالتقاء ونقاط الافتراق ومن ثم فأن السؤال الذي يثيره الفن الاسلامي هو عن كيفية تحول هذه التأثرات الى خصائص وسمات مميزة للفن الاسلامي على مدى اكثر من عشرة قرون وعلى هذا لا يبدو هنا القصد الرد لاراء الباحثين او العلماء الغربيين بخاصة ولا هو الانتصار للمواقف والدفاعات التي قام بها بعض الباحثين الشرقيين وهي في مجموعها تشكل سجالاً مثيراً ومهماً ذلك ان قراءة الفن الاسلامي ينبغي ان تنطلق من الرؤية الشاملة للانسان والكون ومن الفلسفة الجمالية الشاملة ايضاً في فهم الفن وغاياته، وهذان العنصران هما اللذان كونا المنبع الاساس ومصدر الالهام والدافع المنظم الضابط لولادة الفن الاسلامي ونموه وازدهاره، وعلى الرغم من الاعتراف المبدئي بأمكانية التأثر فأن نماء الفن الاسلامي نماءاً سريعاً وحضوره فناً كاملاً مع سرعة نماء الرسالة الاسلامية وسرعة انتشارها وحضورها كمنعطف ديني وحضاري جديد مما يقلل من واقع هذا التأثير ليسلط الضوء على تلك الرؤية المنحدرة من الرسالة الدينية الجديدة كرؤية نافذة فاعلة وكرؤية منبع ومصدر.
ولعل من النافع هنا ان نشير الى ان الجامع الكبير في دمشق وقبة الصخرة يشكلان المنطلقات الضخمة الاولى للفن الاسلامي في العمارة الدينية وفي التوجة الفني الحضاري وعلى الرغم من الحرائق والزلازل والترميمات الجديدة ما يزالان محافظين على الكثير من الخصائص الهندسية والزخرفية الفنية التي قاما عليها منذ اكتمال بناءهما في اوائل القرن الثامن الميلادي، انهما اذن من الشواهد العمرانية والفنية الاولى. من هنا كان يرجع اليهما في كل مرة يسعى فيها المؤرخون او الباحثون في تاريخ او في تنظير او في تفسير خصائص فن العماره الاسلامي ومن هنا كونت الفسيفساء الفريدة من نوعها التي يحتوي عليها كل من قبة الصخرة وجامع دمشق عنوانين بارزين في الجدل والمناقشة بين الباحثين والمؤرخين لكونهما يعبران عن الخطوات الاولى ويقدمان على طباق ما يعتقد الكثير من المؤرخين والباحثين الدلائل الواضحة على اصالة الفن الاسلامي الذي نستتمه ان شاء الله وانتم بألف خير.
*******