على أن إصرار الطرف الموالي للتحالف السعودي - الإماراتي على فتح الطريق الأكثر أهمية في تعز، دونا عن سواها، وبغير ضمانات، يثير ارتياب قيادة صنعاء التي تريد فتحا تدريجيا شاملا، مترافقا مع ضمانات، حتى لا تلقي بورقة قوتها بلا مقابل.
ويظهر ذلك التعارض حجم التعقيد المحيط بملف الطرقات، التي شهدت تحولات كبرى على مر السنوات السبع الماضية بفعل الصراع العسكري، ولدت معاناة لا متناهية لليمنيين، وأجبرتهم على سلوك طرق بديلة سلبت منهم الكثير من الجهد والوقت والمال، وحتى الأرواح تظهر الخارطة العسكرية الحالية في محافظة تعز سيطرة الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» على منطقة الحوبان وخط الستين وخط الخمسين وخط الأربعين وخطوط أخرى تصل مديريات شرعب بمدينة تعز، بالإضافة إلى منطقة الزيلعي والمنطقة الصناعية ومنطقة هجدة.
في المقابل، تسيطر ميليشيات حزب «الإصلاح» على منطقة صالة ومدينتي النور وبير باشا وجامعة تعز والطرقات الرابطة بين مدينة تعز ومديريات غرب المحافظة وصولا إلى مدينتي التربة والشمايتين، والخطوط الرابطة بين مركز المحافظة ومحافظة لحج من الجهة الغربية. وعلى خط التماس بين الطرفين، تقع منطقة الأقروض غرب مديرية صبر، ومدينة النور، وجولة القصر الجمهوري القريبة من منطقة الحوبان.
قبل عام 2015، كانت أحياء مدينة تعز الغربية والجنوبية بعضها متصل ببعض، وتحكمها سلطة محلية واحدة تابعة لصنعاء، إلا أن المواجهات التي بدأت منتصف ذلك العام بين الجيش و«اللجان» من جهة، وميليشيات «الإصلاح» من جهة أخرى، منتصف عام 2015، واستمرت لأكثر من عامين، خلقت مناطق تماس داخل المدينة، وتسببت بعزل الأحياء بعضها عن بعض، ونتج منها نزوح قرابة المليون نسمة من مركز المحافظة ومحيطه.
ومنذ حزيران 2015، أغلق الممر الرئيس الذي يربط الحوبان بوسط تعز، وعقب ذلك أغلقت الممرات والطرقات الواقعة على خطوط التماس، وأبرزها طريق تعز - الحوبان الرابط بين أحياء المدينة الغربية والجنوبية وأحيائها الشرقية، فضلا عن معظم الطرقات الرابطة بين تعز والمحافظات الأخرى.
وتعود بداية هذه المعاناة إلى التاسع من آب 2015، حينما تسببت المواجهات في جنوب شرق تعز بإغلاق طريق الإمداد الرئيس الرابط بين محافظتي تعز وعدن، والذي كان يستغرق عبوره ساعتين. ومنذ ذلك الحين، يستخدم المواطنون طرقا بديلة وعرة، غير مؤهلة لمرور الشاحنات الكبيرة والمتوسطة، انطلاقا من حيفان مرورا بظمران وصولا إلى القبيطة في لحج وانتهاء إلى عدن، خلال مدة تزيد عن تسع ساعات.
ونظرا إلى وضعها السيئ، فقد تسببت هذه الطرق بوقوع عشرات الحوادث التي ذهب ضحيتها المئات من المواطنين. وكان طيران التحالف السعودي - الإماراتي استهدف أحد أهم الجسور الرابطة بين محافظتي تعز ولحج في السابع من نيسان من العام نفسه، ما أدى إلى تعطل حركة السير عليه حتى اليوم، وأجبر اليمنيين على اللجوء إلى طريق هيجة العبد، الذي يعد من أخطر الطرق البديلة لضيق نطاقه وانحداره الشديد وكثرة المنعطفات الصعبة فيه، والتي تتعدى الـ25 منعطفا.
ووفقا لمصادر محلية، فإن النزول في هذا المنحدر يستغرق ثلاث ساعات، والصعود عبره يحتاج إلى خمس ساعات، فيما مجمل المساحة من عدن إلى تعز يستغرق عبورها 12 ساعة، يتخللها المرور بطريق طور الباحة الذي ازدادت فيه جرائم السطو المسلح على المارة وقتل المسافرين.
وإلى جانب الخسائر البشرية الناجمة عن حوادث السير التي أصبحت شبه يومية، أدت هذه الطرقات البديلة إلى ارتفاع تكلفة نقل البضائع القادمة عبر ميناء عدن، كما تسببت بخسائر اقتصادية كبيرة جراء تلف الكثير من البضائع أو ضياعها في الطريق.
وعلى مدى السنوات السبع الماضية، قدمت صنعاء خمس مبادرات لفتح ممرات إنسانية آمنة، كما طرحت منظمات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية 12 مبادرة في محاولة لتخفيف معاناة المواطنين في تعز، إلا أن كل تلك المبادرات باءت بالفشل، شأنها شأن «اتفاق استكهولم» الذي لم يجد سبيله إلى التنفيذ إلى الآن.
كما بذلت جهود مماثلة لفتح الطرقات الرابطة بين محافظتي إب الواقعة تحت سيطرة صنعاء، والضالع الجنوبية الخاضعة لسيطرة الميليشيات الموالية للإمارات. وكانت الإمدادات التجارية القادمة من ميناء عدن توقفت عن العبور من طريق الضالع - الفاخر - إب، وطريق قعطبة - دمت، منذ عام 2018، ما ولد معاناة كبيرة لشريحة واسعة من المواطنين وسائقي الشاحنات والتجار، ودفع العاملين في مجال النقل التجاري إلى سلوك طرق بديلة محفوفة بالمخاطر، يستغرق قطعها أربعة أيام نتيجة لوعورتها، وتمتد من عدن مرورا بلحج وردفان وصولا إلى يافع - الحد المحاددة لمديرية الزاهر في البيضاء.
وفي البيضاء، قطعت القوات الموالية للرئيس المعفى من مهامه، عبد ربه منصور هادي، طريق نقيل ثرة الحيوي منذ منتصف عام 2015، ما ضاعف معاناة آلاف المسافرين اليمنيين العائدين من السعودية، علاوة على إيقاف كامل حركة الانتقال بين البيضاء وأبين. ولهذا السبب، يضطر المسافرون من مكيراس أو البيضاء (المدينة) إلى عدن، إلى قضاء نحو عشر ساعات باستخدام طريق بديل عبر منطقة يافع.
ومطلع العام الجاري، تم قطع الطريق الرابط بين محافظتي البيضاء وشبوة في أعقاب معركة بيحان الأخيرة، حيث منعت الميليشيات الموالية للإمارات عبور الشاحنات والمارة منه. كما أغلقت سلطات مأرب التابعة لحزب «الإصلاح» الطريق البديل الذي كان المسافرون يمرون عبره للوصول إلى مدينة سيئون، في منطقة الفلج الواقعة في المدخل الجنوبي لمدينة مأرب، وذلك بعد أن قامت بإغلاق الطريق الرابط بين صنعاء ومأرب (170 كلم) منتصف عام 2016، أثناء معركة نهم التي اندلعت شرقي العاصمة صنعاء.
ولا تزال هذه السلطات ترفض فتح الطريق من المنفذ الشمالي الغربي لمركز محافظة مأرب، ما يجبر الآلاف من المغتربين اليمنيين العائدين من الأراضي السعودية عبر منفذ الوديعة، على سلوك طريق الصحراء الرابط بين محافظتي الجوف ومأرب، حيث يقع الكثير منهم ضحايا قطاع الطرق والألغام الرملية.
ووفقا لمصادر محلية، فإن الوصول من صنعاء إلى مأرب في ظل قطع الطرقات كافة، يتطلب المرور من صنعاء نحو محافظة ذمار وصولا إلى البيضاء، ومنها إلى يافع الواقعة في محافظة لحج للوصول إلى مدينة عدن، ومنها إلى أبين وشبوة، بطول أكثر من 1200 كلم. ويضاف إلى ما تقدم أن هناك عددا من الخطوط الفرعية المقطوعة منذ سنوات ضمن محافظتي تعز ومأرب.
بناء على كل ذلك، يشدد وفد صنعاء العسكري المفاوض في عمان على ضرورة أن تشمل المناقشات وضع الطرقات في المحافظات كافة بما فيها تعز، فيما يريد وفد الحكومة الموالية لـ«التحالف» قصْرها على طرقات تعز فقط، مبررا هذا بأنه غير مخول التفاوض حول الطرق الأخرى.
كما يريد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2015 من دون ضمانات بسحْب كلي للمظاهر العسكرية والأرتاب والتحصينات والقوات من كلا الطرفين، وعدم ممارسة أي انتهاكات ضد المواطنين أو استخدام تلك المناطق المنزوعة السلاح لأغراض عسكرية.
ويركز وفد عدن، أيضا، على فتح المعبر الرئيسي الرابط بين جولة القصر والحوبان حصرا، بينما يدعو وفد صنعاء إلى فتح تدريجي للطرقات، بدءا من الأقل أهمية، وهو ما بدأ الجيش و«اللجان» اتخاذ خطوات تمهيدية له (رفع الحواجز من أحد الطرقات الواقعة جنوب مدينة تعز من طرف واحد)، من أجل البعث برسالة «حسن نية».