هذا وبعد ترقب لموقفه من المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيد، أعلن الاتحاد العام للشغل أنه قرر عدم المشاركة، معتبراً أنه يستجيب لتطلعات القوة الوطنية ولن يحل أزمة البلاد.
والاتحاد العام التونسي للشغل لاعب سياسي رئيسي يضم حوالي مليون عضو، ولديه القدرة على شل الاقتصاد التونسي من خلال الإضرابات.
في حين تتمسك الحكومة التونسية بالحوار مع الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن الوضع المالي للحكومة وتلافي الإضراب العام الذي يلوّح به الاتحاد خلال الشهر القادم في خطوة الا أن مراقبون يرون أنها تأتي ضمن الضغط السياسي للمركزية النقابية بعد رفض الرئيس قيس سعيد شروطها بشأن شكل الحوار الوطني وآلياته.
ويقول المراقبون إن الاتحاد يحتاج إلى أن يجلس مع الحكومة ويعرف إمكانياتها المالية ومدى قدرتها على ضخ زيادات جديدة في ظل الأزمة الحادة التي ازدادت قوة بعد ارتفاع الأسعار الناجم عن الحرب في أوكرانيا، مشيرين إلى أن على الاتحاد أن يجد صيغة توافقية مع الحكومة بشأن موعد الزيادات وقيمتها، وهو يعرف أن الحوار تحت الضغط والتهديد لن يقبل به الرئيس سعيد ومن ورائه حكومة نجلاء بودن.
وشدد المراقبون على أن الطلبات التي يقدمها الاتحاد دون علم أو معرفة بالوضع الحقيقي للمالية لم يعد لها مكان في تونس الآن، لافتين إلى أن الكل يعرف أنها مزايدة سياسية وأنه من المستحيل، ولأسباب عملية وليست سياسية، أن تتم تلبية شروط النقابات، أو الإيفاء بزيادات سنوية بعضها غير منطقي مثل تلك التي تتعلق بحصول النقابيين على نسب من عائدات الدولة مثلما هو الشأن في قطاع المالية.
واعتبر هؤلاء أن على الاتحاد أن يتخلى عن فكرة التفاوض من موقع قوة والعودة إلى طبيعة العلاقة مع الدولة مثلما هو الشأن ما قبل 2011 حتى يمكن بناء علاقة توافق مع الحكومة، خاصة الحالية التي تريد علاقة قائمة على المصارحة، والجلوس على طاولة الحوار والتفاوض حول جميع النقاط، كما جاء يوم الاثنين على لسان وزير التشغيل والتكوين المهني والناطق باسم الحكومة نصرالدين النصيبي.
وأضاف النصيبي في تصريح لإذاعة “موزاييك” المحلية أن الحكومة موافقة على جميع الاستحقاقات التي يطالب بها الاتحاد إلا أنه لم يبق سوى الاتفاق على روزنامة دخولها حيز النفاذ لأنها تتطلب إمكانيات مالية، في إشارة إلى أن الدولة لا تمتلك الآن الأموال اللازمة لتنفيذ تعهدات سابقة أو لاحقة.
وأشار الناطق باسم الحكومة التونسية إلى أن الأولويات تغيرت في ظل تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، مبيّنا أن أولويات الحكومة أصبحت تتمثل في توفير المواد الأساسية والمحروقات للتونسيين والتحكم في غلاء الأسعار.
وكانت الهيئة الإدارية للاتحاد قد أقرت مبدأ الإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام دون تحديد موعده على ألاّ يتجاوز موفى شهر يونيو 2022 تحت عنوان “الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغالين”.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن الاتحاد يحتاج إلى أن يلتزم بما يقوله من تصريحات عن رغبته في الحوار والتهدئة لأن الواقع غير ذلك، وأن النقابات تستعد لسلسة من التحركات الاحتجاجية قد تزيد من مضاعفة الأزمة المالية في البلد وتهز من صورتها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات، والتي تتطلب مشاركة الاتحاد في صياغتها وتبنّيها عبر مؤسساته لتصبح ملزمة له.
وقال نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد في تصريحات لإذاعة “شمس أف أم” إن المركزية النقابية تدعو الجميع إلى أن يثوبوا إلى رشدهم وإيجاد الحلول والبدائل (…)، نافيا الاتهامات الموجهة إلى المنظمة بالعرقلة والتعطيل.
ويطالب الاتحاد بإلغاء المنشور عدد 20، الذي يمنع المفاوضات بين النقابات والوزارات المعنية دون ترخيص من الحكومة، وفتح المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومراجعة الأجر الأدنى المضمون خاصة فيما يتعلق بمعاشات المتقاعدين بصندوق الضمان الاجتماعي.
وأضاف الطبوبي "بكل تواضع قادرون على تقديم الدروس للناس وليس العكس"، مبينا أن الاتحاد لا يدّعي البطولات لكنه قوة انفتاح وقوة خير، وإنه لا يبحث عن المشاكل، وهو يفصل بين الاجتماعي والسياسي، في ردّ غير مباشر على من يتهمونه بتسييس تحرك الاتحاد.
ويرى المتابعون أنه من الصعب على الاتحاد القول إنه يفصل بين التحرك الاجتماعي والدور السياسي الذي يلعبه منذ 2011 ويريد الحفاظ عليه بالرغم من تغير الأوضاع بشكل جذري وتمسك الرئيس سعيد بأن يتحرك كل طرف في المربع المحدد له قانونيا، لافتين إلى مواقف القيادات النقابية الأخيرة بشأن الحوار سواء ما جاء على لسان الطبوبي أو سامي الطاهري المتحدث باسم الاتحاد ضد لجان الحوار التي أعلن عنها قيس سعيد.
واعتبر الطبوبي،أن المرسوم الرئاسي المتعلق بالاستفتاء على دستور جديد للبلاد في يوليو المقبل “غير ملزم” للاتحاد.
وقال الطبوبي “المرسوم الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين إلى التصويت في الاستفتاء على دستور جديد للبلاد في الخامس والعشرين من يوليو المقبل، لا يلزم إلا من أمضى (وقّع) عليه ولا يلزم الاتحاد”.
وأضاف أن “الاتحاد لن يكون حاضرا في الحوار الوطني طالما لم توجد مراجعات قادرة على إنجاح هذا النقاش السياسي حول الخيارات والوضع بالبلاد”.
وأصدر الرئيس سعيد مرسوما لدعوة الناخبين إلى التصويت في استفتاء على دستور جديد للبلاد في الخامس والعشرين من يوليو المقبل، متجاهلا دعوات المعارضة للتراجع عن الخطوة المثيرة للجدل.
وجاء المرسوم بعد 5 أيام من إصدار مرسوم يقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، ولجنتين استشاريتين وأخرى للحوار الوطني غابت عن جميعها الأحزاب السياسية.