سألني الأخ أبان الندويّ من المدينة المنوّرة برسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن لمن هاذا البيت الجاري مجرى المعل:
وخلّ الهوينا للضّعيف ولا تكن
نموماً فإنّ الحزم ليس بنائم؟
قلت للأخ النّدويّ العزيز: هاذا البيت لمن لا اختلاف في قوّة شعره، وروعة إبداعه شاعر البصرة المتقدّم على المحدثين بشار بن برد، وهو من قصيدة مدح إبراهيم بن عبدالله الحسنيّ وهجا أبا جعفر المنصور، فلمّا استشهد إبراهيم قلب الكنية، وأظهر أنّها في أبي مسلم الخراسانيّ، وأوّلها:
أبا مسلم ما طول عيش بدائم
ولا سالم عمّا قليل بسالم
على الملك الجبّار يقتحم الرّدى
ويصرعه في المأزق المقلاعم
وقد كان لا يخشى انقلاب مكيده
عليه ولا جري النحوس الأشائم
مقيماً على اللذات حتى بدت له
وجوه المنايا حاسرات القمائم
وحذف منها أبياتاً، وممّا بقي منها، وكلّه حكم بينها البيت المسئول عنه، وهاذه هي:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فإنّ الخوافي قوّة للقوادم
وما خير كف أمسك الغلّ اختها
وما خير سيف لم يؤيّد بقائم
وخلّ الهوينا للضعيف ولا تكن
نئوماً فإنّ الحزم ليس بنائم
وحارب إذا لم إلا ظلامة
شبا الحرب خير عن قبول المظالم
وهتف إليّ الأخ عبد الملك العلويّ من فاس بالمغرب الأقصى دام عصيّاً على ما يكره، أن من القائل:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة
أبداً وما هو كائن فيكون؟
قلت لأخي العلويّ العزيز (حفظه الله) قائل هاذا البيت شاعر مطبوع ظريف غزل هجّاء هو أبو عيينه وهاذا هو اسمه وكنيته أبو المنهال، وأبوه محمّد بن أبي عيينة، وهو من شعراء الدّولة العبّاسيّة، وقوله هاذا هو أوّل ثلاثة أبيات هاذا ترتيبها:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة
أبداً وما هو كائن فيكون
سيكون ما هو كائن في وقته
وأخو الجهالة متعب محزون
يسقى القويّ فلا ينال بسعيه
حظا ويحظى عاجز ومهين
وكتب إليّ الصّديق شريف المقداد من سورية أن لمن هاذان البيتان:
شوقي إليك على الأيّام يزداد
والقلب مذ غبت للأحزان معتاد
يا لهف نفسي على دهر فجعت به
كأنّ أيّامه في الحسن أعياد
قلت للصديق المقداد السّوريّ الكريم: هاذان البيتان لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن أبي محمّد اليزيديّ الفاضل الأديب، وهو أسن إخوته، وكلّهم من ذوي الفضل والعلم، وقد أثروا علوم جدّهم اليزيديّ عن أخيهم أبي جعفر هاذا. وسألني الأخ عبد الحفيظ العنسيّ من صنعاء عن القائل:
لا تعجبوا فلو أنّ طول قناته
ميل نظم الفوارس ميلا؟
قلت لأخي العنسيّ الكريم: قائل هاذا البيت لشجاع بطل فارس شاعر حسن الشعر والتصرّف فيه، وكان صملوكاً يصيب الطريق، ثمّ أقصر عن ذالك، فجعله أبودلف العجليّ من الجند، وفرض له رزقاً سلطانياً، وذاك هو بكر بن النطاح الحنفي.
ولحق أبو دلف أكراداً قطعوا الطريق في عمله، وقد أردف فارس منهم رفيقاً له خلفه، فطعنهما جميعاً، فأنفذهما، فتحدّث الناس بأنّه نظم بطعنة واحدة فارسين على فرس، فلمّا قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النطّاح، فأنشده:
قالوا وينظم فارسين بطعنة
يوم اللقاء ولا يراه جليلا
لا تعجبوا لو أنّ طول قناته
ميل إذن نظم الفوارس ميلا
فأمر له بعشرة آلاف درهم، فقال بكر فيه:
له راحة لو أنّ معشار جودها
على البرّ كان البرّ أندي من البحر
ولو أنّ خلق الله في جسم فارس
وبارزه كان الخليّ من العمر
أبا دلف بوركت في كلّ بلدة
كما بوركت في شهرها ليلة القدر
*******