بعث إليّ الصديق عبد إلالاه العليّ من دار السلام بغداد صانها الله عن كلّ سوء أن لمن هاذا القول الجميل:
اه من يأخذ عمري كلّه
ويعيد الّطفل والجهل القديما؟
قلت للصديق العليّ الكريم: هاذا رابع ثلاثة أبيات هنّ الرّباعية الثالثة من قصيدة سباعيّة الرّباعيات عنوانها الوداع للشاعر الرّومانسيّ المصريّ العذب الدّكتور إبراهيم ناجي المولود في حيّ شبرا بالقاهرة آخر يوم من عام ثمانية وتسعين وثماني مئة وألف، والمتوفى عام ثلاثة وخمسين وتسع مئة وألف.
وهاذه هي الرّباعيّة الثالثة التي آخرها البيت الذي سأل عنه الأخ العليّ:
لم يا هاجر أصبحت رحيما
والحنان الجمّ والرّقة فيما
لم تسقيني من شهد الرّضا
وتلاقيني عطوفاً وكريما
كلّ شيء صار مرّاً في فمي
بعدما أصبحت بالدّنيا عليما
اه من يأخذ عمري كلّه
ويعيد الّطفل والجهل القديما
وهتف إليّ الأخ غالب الجنديّ من حلب الشهباء أن لمن هاذا البيت:
طرقت أمامة والمزار بعيد
وهناً وأصحاب الرّحال هجود؟
قلت للأخ الكريم غالب الجنديّ: هاذا البيت مطلع قصيدة مؤلّفة من أحد عشر بيتاً للشاعر معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وهو الملقب معوّد الحكماء لقوله في قصيدة قالها وقد تقدّمت به السّنّ عادّاً بها مفاخره من قطع القفار ورأب الصّدع بين القبائل:
أعوّد مثلها الحكماء بعدي
إذا ما الحق في الأشياع نابا
ومعاوية بن مالك فارس جاهليّ شاعر مرموق كريم، وهو خامس أربعة إخوة عرفوا جميعاً بالسيادة، أحدهم أبو براء عامر بن مالك الملقب ملاعب الأسنة، والآخر طفيل الخيل والد عامر ابن الّطفيل، وعامر هاذا أراد اغتيال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فمات بالّطاعون ميتة شنيعة.
وهاذه قصيدة معوّد الحكماء معاوية بن مالك مطلعها المسئول عنه وأبيات منها:
طرقت أمامة والمزار بعيد
وهناً وأصحاب الرّحال هجود
ورجيلة: قويّة على المشي.
أنى اهتديت وكنت غير رجيلة
والقوم منهم نبّه ورقود
ونبّه: جمع نابه، أي: مستيقظ.
وألفوا: وجدوا.
ألفوا أباهم سيّداً وأعانهم
كرم وأعمام لهم وجدود
وأرومة: اصل.
إذ كلّ حيّ نابت بأرومة
نبت العضاه فماجد وكسيد
والعضاه: ضرب من عظام الشجر.
والكسيد: الدّون.
والحقيق: الحقيقة، أي: الحرمة.
نعطي العشيرة حقها وحقيقها
فيها ونغفر ذنبها ونسود
بدأ بوصف الطيف الذي زاره ليلاً، ثمّ افتخر بشرف الأصل ومحامد العشيرة معدّداً مكارمها في الشدائد زمن الجدب والحرب، وهم في الحالين أو لو نجدة وبأس ومضاء.
وكتب إليّ الأخ أحمد الموسويّ من زنجان في شماليّ إيران أن من القائل:
قرّبا مربط النعمامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال؟
قلت للسّيّد الموسويّ الزنجاني الكريم: قائل هاذا البيت هو الحارث بن عبّاد بن قيس ابن ثعلبة بن عكابة البكريّ، وهو أحد حكّام ربيعة، ومن كبار فرسانها.
والبيت من قصيدة طويلة له قالها في يوم من أيّام بكر وتغلب يدعى يوم فضة، ففي هاذا اليوم قتل بجير، وهو ابن الحارث، وكان رسوله للصّلح بين حيّي وائل: بكر وتغلب.
قتله المهلهل بن ربيعة بأخيه كليب، وقال له: بؤ بشسع نعل كليب.
فلمّا بلغه مقتل ابنه بجير قال: نعم القتيل قتيلاً، إن أصلح الله به بين بكر وتغلب، وباء بكليب.
فقيل له: ما قاله المهلهل أخو كليب، فغضب، وقام للحرب، وكان ذالك اليوم يوم قضّة أو يوم التحالق.
وبعد البيت الوارد في سؤال السيّد الموسويّ الزنجانيّ قول الحارث بن عبّاد:
لم أكن من جناتها علم الله
وإنّي بحرّها اليوم صال
لا بجير أغنى قتيلاً ولارهط
كليب تزاجروا عن ضلال
أراد قرّبا فرسي النعامة
ولقحت الحرب عن حيال
هو من قولهم: حالت الناقة، اذا لم تحمل، وإذا لقحت بعد أعوام كان أقوى لولدها.
وقال موكّداً أنّه ليس من دعاتها، لكنّه قاساها بمصرع ولده بجير، وإنّ قتله لم يفن شيئاً، فلا تغلب تزاجروا عن غيّهم وبغيهم علينا نحن الذين أردنا الإصلاح بين الحيّين، ولا نحن نستكين لعدوانهم علينا بقتله مظلوماً.
*******