سألني المستمع الكريم مأمون الحمويّ أن من القائل:
ولقد علمت بكون ثغرك بارماً
أن سوف يزجي للعذار سحابا
قلت لمستمعنا الحمويّ الكريم: قائل هاذا البيت هو الشاعر الأندلسيّ المحسن في شعره كلّ الإحسان ابن خفاجة الأندلسيّ أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح المولود بجزيرة شقر من أعمال بلنسية من بلاد الأندلس سنة خمسين وأربع مئة، والمتوفى بها سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة غير متعرّض لاستماحة ملوك الطوائف مع تهافتهم على أهل الأدب.
وبيته المسئول عنه ثالث بيتين قبله، وهاذه صورتهنّ:
ما للعذار كأنّ وجهك قبلة
قد خطّ فيه من الدّجى محرابا
وأرى الشباب وكان ليس بخاشع
قد خرّ فيه راكعاً وأنابا
ولقد علمت بكون ثغرك بارقاً
أن سوف يزجي للعذار سحابا
وكتب إليّ الصّديق ناجي الّطائيّ من بغداد أن لمن هاذا القول:
قل للذين ترحّلوا
عن ناظري والقلب حلّوا
قلت للصديق الّطائيّ العزيز: هاذا القول من أبيات حسنة لحافظ عصره وعلامته ذي القصانيف العجيبة كمصارع العشاق، وهو أبو محمّد جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد الّسرّاج المعروف بالقارئ البغداديّ.
وكان ذا طريقة جميلة ومحبّة للعلم والأدب، يسافر إلى مصر وغيرها، وتردّد إلى صور مراراً، وسكنها زمانا، وعاد إلى بغداد، واستقرّ بها، حتى توفي فيها أوّلّ سنة خمس مئة متجاوزاً الثمانين.
وأكثر أشعاره في الزهد والفقه.
وبيته الذي بين أيدينا أحد أبيات من شعره الحسن، وهاذه صورتها:
بان الخليط فأدمعي
وجداً عليهم تستهك
وحدا بهم حادي الفراق
عن المنازل فاستقلّوا
قل للذين ترحلوا
عن ناظري والقلب حلّوا
ودمي بلا جرم أتيت
غداة بينهم استحلّوا
ما ضرّهم لو أنهلوا
من ماء وصلهم وعلّوا
وبعث إليّ الأخ عبد الهادي الّطيّب من كينية أن لمن هاذه الحكمة:
وإذا نظرت فإنّ بؤسا زائلاً
للمرء خير من نعيم زائل
قلت للأخ الطيب الكيني الكريم: هاذه الحكمة المصوغة شعراً سهلاً ممتنعاً للشاعر المشهور الفاضل الحسن الخطّ المرغوب في خطّه لحسنه ودقة ضبطه أبي الفضل جعفر بن شمس الخلافة المصريّ المتوفى سنة اثنتين وعشرين وست مئة عن تسع وسبعين سنة.
وله مؤلفات جمع فيها لطائف تدلّ على جودة اختياره، وله ديوان شعر أجاد فيه.
والحكمة المذكورة له بيت مسبوق ببيت مثله، وهما:
هي شدة يأتي الرخاء عقيبها
وأسى يبشر بالسرور العاجل
وإذا نظرت فإنّ بؤسا زائلاً
للمرء خير من نعيم زائل
وهتف إليّ الأخ عبد الودود الموسويّ من رامز بجنوب إيران أن لمن هاذا القول:
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى
تقولين لولا الهجر لم يطب الحبّ
قلت لأخي الموسويّ الّرامزيّ العزيز: وجدت هاذا القول أحد ثلاثة أبيات وردت في حكاية حكاها الشيخ أبو القاسم الجنيد الصوفيّ الزاهد المشهور العراقي مولداً ومنشأ، قال: ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها من جارية تغني بدار في درب القراطيس تقول:
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى
تقولين لولا الهجر لم يطب الحبّ
وإن قلت هاذا القلب أحرقه الهوى
تقولي بنيران الهوى شرف القلب
وإن قلت ما أذنبت قلت مجيبة
حياتك ذنب لا يقاس به ذنب
فعصعقت، وصحت، فإذا بصاحب الدّار قد خرج قائلاً: ما هاذا يا سيّدي؟
فقلت له: مما سمعت.
فقال: إنها لهبة مني لك.
فقلت: قد قبلتها وهي حرّة لوجه الله تعالى.
ثمّ زوجتها لبعض أصحابنا في الرّباط، فولدت له ولداً نبيلاً نشأ أحسن نشأة.
*******