بعث إليّ الأخ عبد العظيم التميميّ من القدس المقدّسة - صانها الله عن كلّ سوء- أن لمن هاذا القول الجميل:
مثل حبّ العيون يحسبه الناس
سواداً وإنّما هو نور؟
قلت للأخ التميميّ القدسيّ العزيز: هاذا القول هو الثاني لبيت بديع قبله في جارية سوداء، وهو معنىً غريب للشاعر المشهور المجيد الفاضل النبيل ذي المحاسن النادرة أبي الفتوح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد القويّ بن قلاقس اللخميّ الأزهريّ الإسكندريّ الملقب القاضي الأعزّ المعروف بابن قلاقس.
توفي سنة سبع وستين وخمس مئة عن زهاء خمس وثلاثين سنة.
وهاذا هو بيته المسئول عنه وسابقه:
ربّ سوداء وهي بيضاء معنىً
نافس المسك عندها الكافور
مثل حبّ العيون يحسبه الناس
سواداً وإنّما هو نور
وكتب إليّ الأخ عمران النيليّ من الحلّة بالعراق أن لمن هاذا المعنى الفائق الجمال:
إذا زان قوماً بالمناقب واصف
ذكرنا له فضلاً يزين المناقبا؟
قلت للأخ النيليّ الحلّيّ الكريم: هاذا المعنى من قصيدة رائعة لأبي إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمّد الكلبيّ الغزِّيّ الشاعر المشهور المحسن كلّ الإحسان في شعره الذي ذكره المؤرّخون والمترجمون، وأثنوا عليه منصفين.
ولد بغزَّة سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة أربع وعشرين وخمس مئة، ومدفنه بلخ من بلاد خراسان شمال شرقيّ ايران.
جاب البلاد، وتغرّب، وتنقل، ولقي الناس، ومدح ورثى.
وله ديوان شعر اختاره لنفسه، وذكر في خطبته أنه ألف بيت.
وقصيدته المعنيّة هنا طويلة قدح بها ناصر الدّين مكرم بن العلاء وهو من الأجواد المشاهير وهي من غرر الشعر العربيّ كلّه.
وهاذا هو البيت المسئول عنه وما بعده من آخر القصيدة:
إذا زان قوماً بالمناقب واصف
ذكرنا له فضلاً يزين المناقبا
له الشيم الشم التي لو تحسّمت
لكانت لوجه الدّهر عيناً وحاجبا
ثنى نحو شمطاء الوزارة طرفه
فصارت بأدنى لحظة منه كاعبا
تناول أولاها وما مدّ ساعدا
وأحرز أخراها وما قام واثبا
أي: أنّه نال الوزارة على ارتفاعها وهو قاعد من شرفه وعزّته.
وهتف إليّ الأخ مقداد الكبير أن لمن هاذا البيت:
سماعاً يا عباد الله منّي
وكفّوا عن ملاحظة الملاح
قلت للأخ الكبير من الجزائر العاصمة: هاذا البيت من أبيات رائقة للوزير ابن الزيات وهو أبو جعفر محمّد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة وزير المعتصم وابنيه الواثق والمتوكّل.
كان أديباً باهراً، وشاعراً ظاهراً، وعالماً بليغاً محيطاً باللغة والنّحو، وله شعر عذب رقيق، وكلّه نخب.
مارس الحكم ظالماً لا يرق لأحد، ولا يرحمه، حتى سلط الله عليه ظالماً قاسياً مثله هو المتوكّل الذي وضعه في تنور خشب فيه مسامير حديد أطرافها إلى داخله تمنع من يكون فيه من الحركة، وكان ابن الّزيّات أوّل من عمل هاذا التنور، وعذب فيه من كان يطالبه، حتى أجرى الله (عزَّ وجلَّ) فيه حكمه الجائر في الناس، فأجلس فيه، فمات بعد ثلاث ليال.
وهاذا هو بيته المسئول عنه وما معه:
سماعاً يا عباد الله مني
وكفّوا عن ملاحظة الملاح
فإنّ الحبّ آخره المنايا
وأوّله يهيّج بالمزاح
وقالوا دع مراقبة الثريّا
ونم فالليل مسودّ الجناح
فقلت وهل أفاق القلب حتى
أفرّق بين ليلي والصباح
*******