بعث إليّ الصّديق الحميم أحمد الزيديّ من بغداد أن لمن هاذا القول:
تتوق إليك النفس ثمّ أردّها
حياءً ومثلي بالحياء حقيق؟
قلت للصّديق الحميم الزيدي الكريم: هاذا القول لقيس بن ذريح الكنانيّ المتوفى سنة ثمان وستين للهجرة المقدّسة، وهو من عشاق العرّب المولّهين من سكّان المدينة المنوّره برسول الله (صلى الله عليه وآله) في العصر الأمويّ.
عرف بحبّه لبنى بنت الحباب الكعبيّة وأخباره معها كثيرة جدّاً، وشعره عالي الّطبقة في التشبيب ووصف الشوق والحنين.
وقوله المسئول عنه من قصيدة طويلة له مطلعها:
تكاد بلاد الله يا أمّ معمر
بما رحبت يوماً عليّ تضيق
تكذبني بالودّ لبنى وليتها
تكلّف منّي مثله فتذوق
قال المرحوم الدكتور عبد الله الّطيب: وهاذا من لطيف الكلام وبارعه، لأنّه يعلم أنّها كانت تلقى منه كما كان يلقى منها.
ولو كان غير حاذق، لقال مثلاً: ترى مثله من مثلنا فتذوق.
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني
لكم والهدايا المشعرات صديق
تتوق إليك النفس ثمّ أردّها
حياءً ومثلي بالحياء حقيق
أذود سوام الطرف عنك وماله
إلى أحد إلا إليك طريق
بعث إليّ الأخ عماد الزيدي أن لمن هاذا القول الطريف:
وإن الفيتني ملكاً مطاعاً
فإنّك واجدي عبد الصّديق؟
قلت لأخي الزيديّ الكريم: هاذا القول الطريف لأبي العبّاس عبدالله بن طاهر الخزاعيّ والي المأمون على الدّينور وخراسان المتوفى شهر ربيع الثاني سنة ثلاثين ومئتين.
وكان سيّداً سخيّاً مقداماً، وقوله المسئول عنه من أبيات هي:
أميل مع الذمام على ابن عمّي
وأحمل للصّديق على الشقيق
وإن ألفيتني ملكاً مطاعاً
فإنّك واجدي عبد الصديق
أفرّق بين معروفي ومنِّي
وأجمع بين مالي والحقوق
والذمام في بيته الأول هي الحرمة.
قال الجاحظ: وهاذا الشعر شريف بنفسه وبصاحبه.
وكان أبو تمام قد قصده من العراق، فلمّا انتهى إلى قومي، وطالت به الشقة قال:
يقول في قومي صحبي وقد أخذت
منا السّرى وخطى المهريّة القود
أمطلع الشمس تنوي أن تؤم بنا
فقلت كلا ولكن مطلع الجود
قال ابن خلّكان: وقد أخذ أبو تمام هاذين البيتين من أبي الوليد مسلم بن الوليد الشاعر المشهور:
يقول صحبي وقد جدّوا على عجل
والخيل تستن بالركبان في اللجم
أمغرب الشمس تنوي أن تؤم بنا
فقلت كلا ولكن مطلع الكرم
سألني أحمد الصّوفيّ أن: لمن هاذا البيت:
وإن جرت الألفاظ منا بمدحة
لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني؟
قلت لمستمعي الصوفيّ العزيز: هاذا البيت للشاعر الحاذق الحسن بن هاني المعروف بأبي نواس المتوفي ببغداد سنة خمس، وقيل: ست وتسعين ومئة.
وبيته المسئول عنه سادس خمسة أبيات قالها في مدح محمّد الأمين بن هارون الرشيد القتيل بيد أخيه عبدالله المأمون في انتزاعه الخلافة منه، وقبله:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وبيت السّؤال معنى قديم أخذه أبو نواس من عبد الله بن محمد الانصاري المعروف بالأحوص:
متى ما أقل في آخر الدّهر مدحة
فما هي إلا لابن ليلى المكرّم
*******