وخطّ إليّ الأخ عبد السّميع العلويّ من الرّباط بالمغرب كتاباً أكرمني فيه مشكوراً له إكرامه إيّاي، وسأل عن قاتل هاذا البيت:
قلت أهل الهوى سلام عليكم
لي فؤاد عنكم بكم مشغول
وها أنا ذا أذيع اعتزازي بالأخ العلويّ الكريم من المغرب وتحيّاتي له، وأقول: هاذا البيت من قصيدة لاميّة لحكيم القرنين السّادس والسّابع الهجريّين الشيخ شمس الدّين محمّد بن محمود الشهرزوري المولود في شهرزور شمال غربيّ إيران سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
وقصيدته التي نتكلّم عليها عرفانية طريفة، وهاذه أبيات منها:
قلت أهل الهوى سلام عليكم
لي فؤاد عنكم بكم مشغول
لم يزل حافز من الشوق يحدو
بي إليكم والحادثات تطول
جئت كي أصطلي فهل لي
إلى ناركم هاذه الغداة سبيل
فأجابت شواهد الحال عنهم
كلّ حدّ من دونها مغلول
أراد بقوله: لي فؤاد عنكم بكم مشغول أنّ قلبي مشغول عنكم بما فيكم من الهوى.
ومفاد قوله: والحادثات تطول أنّ لديه ما يودّ قصّه عليهم وهو مشتاق إليهم.
وقوله: أصطلي معناه أستدفي بنار وجدكم، فهل من سبيل لبلوغها هاذا الصباح.
ومعنى بيته الأخيير أنّ شواهد حالهم أجابته بأنّ الوصول لما يريد صعب، والّطريق وعر، والعقبات كثار.
بعث إليّ المستمع الكريم رضوان الحلاق من العاصمة السوريّة دمشق أن لمن هاذا البيت:
نحن شخصان إن نظرت وروحان
إذا ما اختبرت يمتزجان؟
قلت لمستمعي الكريم رضوان الحلاق: هاذا البيت للشاعر الشهير عليّ بن العبّاس الرومي المولود ببغداد سنة إحدى وعشرين ومئتين، والمتوفى فيها سنة أربع وثمانين ومئتين.
وهو صاحب المعاني النادرة والصّور الّرائعة في الشعر البديع.
وبيته الذي سألتني عنه من أبيات في وصف حاله مع من يجبّ، وها هي ذي:
إنّ من لا أرى وليس يراني
نصب عيني ممثل بالأماني
بأبي من ضميره وضميري
أبداً بالمغيب ينتجيان
نحن شخصان إن نظرت وروحان
إذا ما اختبرت يمتزجان
فإذا ما هممت بالأمر أو همسم
بشيء بدأته وبداني
كأنّ وفقاً ما كان منه ومنّي
فكأني حكيته وحكاني
خطرات الجفون منّا سواء
وسواء تحرّك الأبدان
ومن معاني ابن الرّومي البديعة التي لم يسبق إليها قوله في ذمّ الخضاب:
إذا دام للمرء السّواد وأخلقت
شبيبته ظنّ السّواد خضابا
فكيف يظن الشيخ أن خضابه
يظن سواداً أو يخال شبابا
سألني السيد ميثاق الذهبي من مدينة خرمشهر بجنوب إيران أن لمن هاذا المعنى الرّائق الفائق:
بالله هب المشتاق كرى
فلعل خيالك يسعده؟
قلت لأخي السيد الذهبي (حفظه الله): هاذا المعنى الرائق الفائق - على قولك- للشاعر الممتاز في كلّ شعره البديع الرّفيع أبي الحسن عليّ بن عبد الفنيّ الحصريّ الضرير المولود في القيروان بتونس الخضراء، والمتوفى بطنجة المغرب سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
وانتقل إلى الأندلس، واتصل بالمعتمد بن عبّاد، ومدحه بقصائد، وألف له كتاب المستحسن من الأشعار.
وله معشرات الحصري في الغزل والنسيب، وديوان شعر.
والبيت المسئول عنه عن قصيدته السائرة في الزمان والمكان، وأوّلها:
يا ليل الصّبّ متى غده
أقيام الّساعة موعده
رقد السّمّار وأرّقه
أسف للبين يردّده
فبكاه النجم ورقّ له
ممّا يرعاه ويرصده
ومنها:
بالله هب المشتاق كرىً
فلعلّ خيالك يسعده
ما ضرّك لو داويت ضنى
صبّ يدنيك وتبعده
*******