كتب إليّ الأخ الكريم يوسف الشرع الموسويّ من القادسية بالعراق أن لمن هاذا البيت، وفيم قيل:
لكلّ زمان واحد يقتدى به
وهاذا زمان أنت لا شكّ واحده
قلت لأخي الشرع الموسويّ الكريم: هاذا البيت للشاعر المشهور أبي عبادة الوليد بن عبيد البحتريّ الطائيّ المولود بمنبج، والمتوفى فيها سنة خمس وثمانين ومئتين، وهو ابن ثمانين سنة.
ولهاذا البيت خبر طريف، هو أنّه كان بحلب رجل سخيّ يقال له طاهر بن محمّد الهاشميّ مات أبوه، وأورثه مئة ألف دينار، فأنفقها على الشعراء والزّوّار في سبيل الله.
فقصده البحتريّ من العراق، فلمّا بلغ حلب، قيل له: إنّ طاهراً قد قعد في بيته الديون ركبته.
فاغتمّ البحتريّ غمّاً شديداً، بعث بالمدحة إليه، فلمّا وقف عليها بكى، ودعا بغلام له.
وقال له: بع داري.
فقال له: أتبيع دارك، وتبقى على رءوس الناس؟
فقال له: لابدّ عن بيعها.
فباعها بثلاث مئة دينار، فأخذ طاهر صرّة، وربط فيها مئة دينار، وأنفذها إلى البحتريّ، وكتب إليه معها رقعة فيها هاذه الأبيات:
لو يكون الهباء حسب الذي
أنت لدينا به محلّ وأهل
لحبيت اللجين والدرّ والياقوت
حثواً وكان ذاك يقلّ
والحثو: مصدر حثاه يحثوه، إذا هاله يهيله هيلا.
والأديب الأريب يسمح بالعذر
إذا قصّر الصديق االمقلّ
وإذ وصلت الرقعة إلى البحتريّ
ردّ الدنانير، وكتب إلى الهاشميّ:
بأبي أنت والله للبرّ أهل
والمساعي بعد وسعيك قبل
والنوال القليل يكثر إن شاء
مرجيك والكثير يقلّ
غير أنّي رددت بّرك إذ كان
رباً منك والربا لا يحلّ
وإذا ما جزيت شعراً بشعر
قضي الحق والدنانير فضل
فلمّا عادت الدنانير إليه حلّ الصّرة، وضمّ إليها خمسين ديناراً اخرى، وحلف أنّه لا يردها عليه، وسيّرها إليه، فلمّا وصلت إلى البحتريّ أنشأ يقول:
شكرتك إن الشكر للعبد نعمة
ومن يشكر المعروف فالله زائده
لكلّ زمان واحد يقتدى به
وهاذا زمان أنت لا شكّ واحده
والبيت الأخير هو ما سأل عنه الأخ الكريم يوسف الموسويّ دام مسدّداً.
وحيّاني الأخ الكريم حمّاد الفخريّ من الموحيل منارة الأمس والغد في شمال العراق بتحيّة طيّبة، وسألني عن قائل هاذا البيت:
سأستر والّستر من شيمتي
هوى من أحبّ بمن لا أحبّ
وها أناذا أحيّي حبيبيّ الّسيّد حمّاداً الفخريّ الكريم بتحية أسأل الله تعالى أن تكون أحسن من تحيته الكريمة لي، وأقول له: هاذا البيت ختام أربعة أبيات للملك العباسيّ هارون قالها مشتاقاً، وهو في دير زكى - وهو بالرّقة قريب من الفرات في سورية- وهاذه هي أبيات الرشيد الأربعة:
سلام على النازح المغترب
تحيّة صبّ به مكتئب
غزال مراتعه بالبليخ
إلى دير زكّى فقصر الخشب
أيا من أعان على نفسه
بتخليفه طائعاً من أحب
سأستر والّستر من شيمتي
هوى من أحبّ بمن لا أحب
وللرشيد شعر جميل طريف وأبيات مفردة، وأكثر شعره في جواريه وعشقه لهنّ، ومنه:
أهدى الحبيب مع الجنوب سلامه
فاردد عليه مع الشمال سلاما
واعرف بقلبك ما تضمّن قلبه
وتداولا بهواكما الأيّاما
مهما بكيت له فأيقن أنه
ستفيض عيناه بالدّموع سجاما
فاحبس دموعك رحمة لدموعه
إن كنت تحفظ أو تحوط ذماما
والذّمام: الحرمة.
*******