سألني الصّديق القديم حبيب الشمّريّ من الكويت أن لمن هاذا القول الجميل:
ألا يا لقومي للتجلّد والصّبر
وللقدر الساريإليك وما تدري
قلت للأخ الشمّريّ العزيز: هاذا قول المرّار بن سعيد بن حبيب بن خالد الشاعر اللصّ وهو من مخضرمي الدولتين: الأمويّة والعباسيّة.
وبيته هذا الذي سألتني عنه من قصيدة طويلة في رثاء أخيه بدر، وهو أشهر منه في السّرقة، وقد مات في السجن محبوساً بسرقة إبل سرقاها هو وأخوه المرّار الشاعر هذا، فعرفا، فأخذا وضربا وحبسا، ومات بدر في الحبس، وأطلق المرار بمسعى عدّة من قريش.
وقال القصيدة المذكورة آنفاً في رثاء أخيه بدر، ومنها المطلع المذكور في السؤال:
ألا يا لقومي للتجلّد والصّبر
وللقدر الساري إليك وما تدري
وللشيء تنساه وتذكر غيره
وللشيء لا تنساه إلاّ على ذكر
وما لقفول بعد بدر بشاشة
ولا الحيّ آتيهم ولا أوبة السّفر
اذا سلّم الساري تهلّل وجهه
على كلّ حال من يسار ومن عسر
اذا خطرت منه على النّفس خطرة
مرت دفع عيني فاستهلّ على نحري
وما كنت بكّاءً ولكن يهيج لي
على ذكره طيب الخلائق والخبر
كتب إليّ الأخ أحمد الوائلي من البصره بالعراق أن لمن هاذا المعنى الطريف، وفيم قيل:
ربّ سوداء وهي بيضاء معنىً
نافس المسك عندها الكافور
قلت للأخ الوائليّ البصريّ: هاذا معنىً غريب مشفوع ببيت مثله، وهما في جارية سوداء، وهاذان هما:
ربّ سوداء وهي بيضاء معنىً
نافس المسك عندها الكافور
مثل حَبِّ العيون يحسبه النّاس
سواداً وإنّما هو نور
والبيتان من مشهور الشعر الذائع، وهما للقاضي الأعزّ ابن قلاقس أبو الفتوح نصر الله بن عبد الله اللخميّ الأزهريّ المتوفى سنة سبع وستين وخمس مئة عن خمس وثلاثين.
وطلب إليّ الصّديق القديم نعمة الخزرجيّ من الديوانيّة بالعراق أن أعيد عليه ما ذكرته له من شعر جميل غاب عن باله هو وقائله، وبقي منه مطلعه، وهو:
أقلل عتابك فالبقاء قليل
والدّهر يعدل تارة ويميل
قلت للأخ نعمة الخزرجيّ الكريم: هاذا القول مطلع قصيدة للكاتب المترسّل والشاعر الغزل، الرّقيق الشّعر كتبها جواباً عن عقاب صديقه أبي العبّاس بن ثوّابة له، وهاذه هي القصيدة التي كنت قد سمعتها منّي قبل سنين:
أقلل عتابك فالبقاء قليل
والدّهر يعدل تارة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه
إلاّ بكيت عليه حين يزول
ولكُلِّ نائبة ألمّت مدّة
ولكُلِّ حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الإخاء جماعة
إن حصلوا أفناهم التحصيل
ولعلّ أحداث الليالي او لردى
يوماً ستصدع بيننا وتحول
*******