كتب إليّ الأخ نوفل الحسنيّ من هيت بالعراق محيياً ومكرّماً أن لمن هاذا المعنى الجميل:
أفرّق بين معروفي منّي
وأجمع بين ما لي والحقوق؟
قلت للأخ الحسنيّ الهيتيّ العزيز بعد تحيّته بأطيب تحيّة وأزكاها مشفوعة بفائق التقدير له ورائق الامتنان: هاذا المعنى الجميل على وصفك له هو ثالث بيتين لإبراهيم بن العبّاس الصّوليّ كاتب العراق في عصره، نشأ في بغداد، وقرّبه المعتصم والواثق والمتوكّل ، وكتب لهم، وتنقل في الأعمال والدّواوين حتى وفاته سنة ثلاث وأربعين ومئتين عن سبع وستين سنة.
قال عنه السعوديّ المؤرّخ صاحب مروج الذهب: (لا يعلم فيمن تقدّم وتأخّر من الكتاب من هو أشعر منه).
وهاذه هي أبياته الثلاثة، وثالثها البيت المسئول عنه:
أميل مع الذّمام على ابن أمّي
وآخذ للصّديق من الشقيق
وإن ألفيتني حرّاً مطاعاً
فإنّك واجدي عبد الصّديق
أفرّق بين معروفي ومنّي
وأجمع بين مالي والحقوق
وأنشدها إبراهيم بن المدبّر الوزير الكبير أحد البلغاء والشعراء الذي ما كان أحد من المترسِّلين يقاربه في افتيتانه وتوسّعه، أنشدها لعليّ بن الجهم، وقال بعد إنشاده لها: لقد كذب والله عليّ بن الجهم، وما هي له.
وإنّها لأشبه بإبراهيم بن العبّاس من شبه إبراهيم بأبيه.
وسألني الأخ سعد الشريفي من القادسيّة بالعراق أن لمن هاذا المعنى الطريف:
رضيت لك العليا وقد كنت أهلها
وقلت لهم بيني وبين أخي فرق
قلت لأخي العزيز الشريفيّ (حفظه الله): هاذا المعنى الجميل الطريف هو للأمير سيف الدولة الحمدانىّ عليّ بن عبدالله التغلبيّ الشاعر المجيد الفجاع المهذب المتوفى بحلب أميراً حازماً سنة ستّ وخمسين وثلاث مئة عن ثلاث وخمسين سنة زاهية بالمجد له.
وهاذا البيت هو أوّل ثلاثة أبيات رائعة من شعره الذي كان يدعى شعر الملوك وها هي ذي الأبيات الثلاثة:
رضيت لك العليا وقد كنت أهلها
وقلت لهم بيني وبين أخي فرق
ولم يك بي عنها نكول وإنّما
تجافيت عن حقي فتمّ لك الحق
ولابدّ لي من أن أكون مصلتا
إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق
وقد كتب هاذه الأبيات إلى أخيه الحسن بن عبد الله أمير الموصل الذي كان يدعى ناصر الدّولة الحمدانيّ. ومن رقيق شعر سيف الدّولة الملكيّ قوله:
قد جرى في دمعه دمه
فإلى كم أنت تظلمه
ردّ عنه الّطرف منك فقد
خرّقته منك أسهمه
كيف يستطيع التجلّد من
خطرات الوهم تؤطه
ومن شعره الملكيّ الرائع هاذا قوله العذب:
تجنى عليّ الذنب والذنب ذنبه
وعاتبني ظلماً وفي شقه العتب
اذا برم المولى بخدمة عبده
تجنى له ذنباً وإن لم يكن له ذنب
وأعرض لما صار قلبي بكفه
فهلا حفاني حين كان لي قلب
*******