وقف عمر بن ذرّ بن عبد الله بن زرارة الهمدانّي الإمام الزّاهد العابد (رحمه الله) على قبر ولده ذرّ لمّا مات، وقال: يا ذرّشغلنا الحزن لك عن الحزن عليك.
فليت شعري ما الذي، وما الذي قيل لك؟
اللهمّ إنّك قد ألزمته طاعتك وطاعتي، فإلّي قد وهبت له ما قصّر فيه، من حقّي، فهب له ما قصّر فيه حقّك.
اللهمّ ما وعدتني من الأجر على مصيبتي به، فقد وهبته له، فهب لي من فضلك يا كريم يا رحيم.
ما علينا بعدك يا بنيّ من غضاضة، وما بنا إلى أحد مع الله من حاجة. وها نحن ألاء قد مضينا وتركناك، ولو أقمنا عندك ما نفعناك.
وبعث إليّ الأخ الكريم محمّد موسى من الدّيوانيّة في العراق أن لمن القول:
سروا ونجوم الليل زهر طوالع
على أنهم في الليل للناس أنجم
قلت لمدنيّي العزيز محمّد موسى: هذا القول لأبي عبدالله الحسين بن أحمد ابن بطّويه النّحويّ.
وهو ثاني ثلاثة أبيات له، وها هي ذي على ترتيبها:
وماذا عليهم لو أقاموا فسلّموا
وقد علموا أنّي مشوق متيّم
سروا ونجوم الليل زهر طوالع
على أنّهم في الليل للناس أنجم
وأخفوا على تلك المطايا مسيرهم
فنمّ عليهم في الظلام التّبسّم
سألني الأخ الكريم عليّ الّنيلي من دار السّلام بغداد أن لمن هذا القول:
وكم قائل مالي رأيتك راجلاً
فقلت له من أجل أنّك فارس؟
قلت لأخي الكريم عليّ )دام عزيزا): هذا القول لإمام اللغة والأدب والقراءة أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه النّحويّ صاحب التصانيف المليحة الفصيحة ومنها كتاب ليس في كلام القرب، والجمل في النحو، وإعراب ثلاثين سورة، والقراءات، والمذكّر والمؤنّث، والمقصور والممدود.
وقوله الذي سألت عنه هو أحد بيتين هذان هما على ما ذكرا:
اذا لم يكن صدر المجالس سيّداً
فلا خير فيمن صدّرته المجالس
وكم قائل مالي رأيتك راجلا
فقلت له من أجل أنّك فارس
وكان ابن خالويه أحد أفراد زمانه في العلم والأدب والفطنة وحضور الذّهن مقرّباً إلى سيف الدولة الحمدانّي وأولاده بحلب التي توفّي فيها سنة سبعين وثلاث مئة.
ومن شعره قوله:
الجود طبعي ولكن ليس لي مال
فكيف يبذل من بالقرض يحتال
فهاك حظّي فخذه اليوم تذكرة
إلى اتّساعي فلي في الغيب آمال
وجاء في أماليّه أنّ سيف الدّولة الأمير العالم الشاعر الأديب سأل جماعة من العلماء بحضرته ليلة ما: هل تعرفون اسماً ممدوداً وجمعه مقصور؟
فقالوا : لا.
فقال لابن خالويه: وما تقول أنت؟
قال: أنا أعرف اسمين لا أقولهما إلاّ بألف درهم، وهما صحراء وصحارى وعذراء وعذارى.
وبعد شهرين أصبت حرفين آخرين ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه، وهما: صلفاء وصلافى (وهي الأرض الغليظة) وخبراء وخبارى وهي أرض فيها ندوّة.
وبعد عشرين سنة وجدت حرفاً خامساً ذكره ابن دريد في الجمهرة، وهو سبتاء وسباتى وهي الأرض الخشنة.
ومن خطبة لأمير المؤمنين ومولى المتّقين الإمام عليّ (عليه السّلام) في تزهيد الناس في الدّنيا قوله الحكيم : «أيّها الناس، انظروا إلى الّدنيا نظر الزّاهدين فيها، الّصادفين عنها. فإنّها والله عمّا قليل تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الآمن، لا يرجع ما تولّى منها، فأدبر، ولا يدرى ما هو آت منها، فينتظر. شرورها مشوب بالحزن، وجلد الرّجال فيها إلى الضّعف والوهن. فلا يغرّنكم كثرة ما يعجبكم فيها، لقلّة ما يصحبكم منها. رحم الله آمراً تفكّر، فاعتبر، واعتبر، فأبصر.
فكأنّ ما هو كائن من الدّنيا عن قليل لم يكن، وكأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل.
وكلّ معدود منقض، وكلّ متوقّع آت، وكلّ آت قريب دان».
*******