سألني الأخ عبد العزيز المفتي من دهلي بالهند أن لمن هذا البيت:
وحتفي كامن في مقلتيه
كمون الموت في حدّ الحسام؟
قلت للأخ المفتي الكريم: هذا البيت تكملة بيت قبله للشاعر المطبوع المشهور العذب الألفاظ، البارع في الافتنان أبي الحسن السّريّ بن أحمد بن السّريّ الكنديّ الموصليّ المعروف بالسّريّ الرّفّاء.
وله ديوان شعر كلّه جيّد، وكتاب المحبّ والمحبوب والمشموم والمشروب، وكتاب الدّيرة.
وكانت وفاته ببغداد سنة نيّف وستّين وثلاث مئة رحمه الله. وبيتاه الجميلان اللذان هما مدار الكلام هما:
بنفسي من أجود له بنفسي
ويبخل بالتّحيّة والسّلام
وحتفي كامن في مقلتيه
كمون الموت في حدّ الحسام
ومن شعر السّريّ في صناعته أبيات لطيفة منها قوله:
وكانت الإبرة فيما مضى
صائنة وجهي وأشعاري
فأصبح الرّزق بها ضيّقاً
كأنّه من ثقبها جاري
وهتف إلىّ الصّديق الحميم أنور الحلبيّ من مدينته المنسوب إليها حلب الشّهباء في سورية أن من قال هذا البيت الجميل:
قال لي من أحبّ والبين قد جدد
وفي مهجتي لهيب الحريق
وما بعده؟
قلت لأخي الحلبيّ المفدّى: هذا البيت وبيت بعده للوزير المهلّبيّ وهو أبو محمّد الحسن بن محمّد بن هارون بن إبراهيم بن عبدالله بن يزيد ابن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة الأزديّ.
وكان من ارتفاع القدر، واتّساع الصّدر، وعلوّ الهمّة، وفيض الكفّ على ما هو مشهور به، وكان غاية في الأدب والمحبّة لأهله.
وفارق الدنيا عن زهاء إحدى وستين سنة، وهذان همّا بيتاه:
قال من أحبّ والبين قد جدد
وفي مهجتي لهيب الحريق
ما الذي في الّطريق تصنع بعدي
قلت أبكي عليك طول الّطريق
وبعث إليّ الأخ الّطيّب الّطيّب من أمّ البواقي بالجزائر أن لمن هذا القول:
يا ربّ لا أقوى على دفع الأذى
وبك استعنت على الضّعيف الموذي
قلت للأخ الّطيّب طابت سلامته: هذا القول لوطنيّك أنت أبي عليّ الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواليّ، وهو أحد البلغاء الأفاضل، له التّصانيف البديعة الّرفيعة، ومنها العمدة في صناعة الشّعر ونقده، وقراضة الذّهب، وطراز الأدب، والممادح والمذامّ، وغيرها من الرّوائع البدائع كثير.
وتوفّي في مازر قرية بصقلية سنة ثلاث وستّين وأربع مئة عن عمر ناهز ثلاثاً وسبعين.
وهذا بيته المسئول عنه مشفوعاً بما يزينه ويزيده جمالاً وكمالاً:
يا ربّ لا أقوى على دفع الأذى
وبك استعنت على الضّعيف الموذي
ما لي بعثت إليّ ألف بعوضة
وبعثت واحدة إلى نمروذ
ومن جميل شعره البيتان المشهوران:
وقائلة ماذا الشّحوب وذا الضّنى
فقلت لها قول المشوق المتيّم
هواك أتاني وهو ضيف أعزّه
فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
قال الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصن السّعديّ التّميميّ واسمه الضّحّاك وهو الحليم البصريّ المتوفّى سنة تسع وستّين: شكوت إلى عمّي صعصعة ابن معاوية وجعاً في بطني، فنهرني، ثمّ قال: يا ابن أخي إذ انزل بك ما تكره، فلا تشكه إلى أحد، فإنّما الناس رجلان: صديق تسوؤه، وعدوّ تسرّه.
والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه.
ولكنّ من ابتلاك هو قادر أن يفرّج عنك.
يا ابن أخي إحدى عينيّ هاتين ما أبصر بها سهلاً ولا جبلاً من أربعين سنة، وما أطلعت على ذلك امرأتي، ولا أحداً من أهلي.
وسألني الأخ نجيب الأمين من لبنان أن لمن هذا القول:
ومختار القليل أقلّ منه
وكلّ فوائد الدّنيا قليل؟
قلت للأخ الأمين نجيب (حفظه الله): هذا القول الحكيم للأديب العاقل، الشّاعر المجيد، المتصّرف في كلّ علم أبي الحسن منصور الفقيه ابن إسماعيل ابن عمر التّميميّ المتوفّى بمصر في جمادى الأولى سنة ستّ وثلاث مئة، ولم يتخلّف كبير عن تشييعه الذي حضره الجميع.
وقوله المسئول عنه أحد بيتين ها هما ذان:
منافسة الفتى فيما يزول
على نقصان همّته دليل
ومختار القليل أقلّ منه
وكلّ فوائد الدّنيا قليل
وحكي أنّ منصوراً الفقيه أصابته مسغبة في سنة شديدة القحط، فرقي سطح داره، ونادى بأعلى صوته ليلاً:
الغياث الغياث يا أحرار
نحن خلجانكم وأنتم بحار
إنّما تحسن المواساة في الّشددة
لا حين ترخص الأسعار
فسمعه جيرانه، فأصبح على بابه مئة حمل بعير.
*******