قال أبو حمزة الثّماليّ (رحمه الله): كان عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) يقول لبنيه: يا بنيّ إذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدّنيا، أو نزل بكم فاقة أو أمر فادح، فليتوضّأ وضوءه للصّلاة، وليصلّ أربع ركعات أو ركعتين.
فإذا فرغ من صلاته، فليقل: (يا موضع كلّ شكوى، يا سامع كلّ نجوى، يا شافي كلّ بلوى، يا عالم كلّ خفيّة، ويا كاشف ما يشاء من بليّة، ويا منجي موسى، ويا مصطفي محمّد، ويا متّخذ إبراهيم خليلا، أدعوك دعاء من أشتدّت فاقته، وضعفت قوّته، وقلّت حيلته.
دعاء الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه، إلاّ أنت يا أرحم الرّاحمين، سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
قال أبو العبّاس محمد بن يزيد المبرّد النّحويّ الشهير: أتيت الخليل، فوجدته جالساً على طنفسة صغيرة، فوسع لي، وكرهت أن أضيّق عليه، فانقبضت فأخذ بعضدي، وقرّبني إلى نفسه، وقال: إنّه لا يضيق سمّ الخياط بمتحابّين، ولا تسع الدّنيا متباغضين.
قلت: وفي هذا المعنى قول أبي عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسيّ العالم الأديب الشاعر صاحب كتاب العقد الفريد الحافل بأنوار الرّوائع وأسرار البدائع:
صل من هويت وإن أبدى معاتبة
فأطيب العيش وصل بين إلفين
قال ابن الكلبّي: قدم أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ وحاتم بن عبد الله الطائيّ على النّعمان بن المنذر، فقال لإياس بن قبيصة الطائي: أيهّما الرجل؟
فقال: أبيت اللعن أيّها الملك، إنّي منهما، ولكن سلهما عن أنفسهما، فإنّهما يخبرانك.
فدخل عليه أوس، فقال له: أنت أفضل، أم حاتم؟
فقال: أبيت اللعن، إنّ إدنى ولد حاتم أفضل منّي، ولو كنت أنا وولدي ومالي لحاتم، لأنهبنا في غداة واحد.
ومعنى لأنهبنا هو لجعلنا نهّيبى، أي: لا يحلّ لأحد أن يأخذ منّا أكثر من واحد.
ثمّ دخل عليه حاتم، فقال له: أنت أفضل، أم أوس؟
فقال له: أبيت اللعن، إنّ أدنى ولد لأوس أفضل منّي.
فقال النّعمان: هذا والله السّؤدد.
أي: السّيادة، يعني حفظ أحدهما الآخر وتعظيمه في غيبته والتّواضع لذكره في الملأ.
وأمر لكلّ منهما بمئة من الإبل.
وسألني صديق السّنين الّطوال الأخ سالار عبد الواحد عن قائل هذا البيت الذي يصوّر لنا حقيقة ساطعة في عيون الصّباح والماء، وهما يعيشانها بلوعة حرّى أسفاً على مصداقها، وهذا هو البيت المصوّر:
إنّ الذي رزق اليسار فلم ينل
أجراً ولا حمداً لغير موفّق
قلت لمساهمي في البلايا الثّقال مذ ضمّتنا المدرسة في مدينة المكارم التي مازال أهلها أسرى البؤس والشقاء، وأيديهم مبسوطة للجميع بالعطاء: إنّ هذا البيت المعبّر عن حظّنا في الحياة هو من قصيدة للإمام الشافعيّ المرحوم محمّد بن إدريس الشّافعيّ المولود بغزّة (على قوله) سنة خمسين ومئة، وحمل إلى مكّة المكرّمة، وهو ابن سنتين، وطلب الشّعر والنّحو والغريب في البادية فتىً لازم هذيلاً فيها، وهي أفصح العرب في ذلك الوقت، فجمع ألوان الأدب إلى أفنان العلم التى كان نادراً في تلقّيها في مكّة المكرّمة، ثمّ غادرها بعد عودته إليها من البادية، ودرس على الشافعيّ أحمد بن حنبل مثلما درس هو على مالك بن أنس (رحمهم الله) وكان الاثنان معجبين به أيّما إعجاب، وعاش زاهداً سخيّاً يرجع إليه العلماء والأدباء في الحديث والفقه والأصول واللغة والنّحو وغيرها حتّى توفّي ليلة الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومئتين.
وهذه هي قصيدته التي فيها البيت المسئول عنه:
وإذا سمعت بأنّ محروماً أتى
ماءً ليشربه فغاض فحقّق
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني
بنجوم أقطار السّماء تعلّقي
لكنّ من رزق الحجا حرم الغنى
ضدّان مفترقان أيّ تفرّق
وأحقّ خلق الله باللطف امرؤ
ذو همّة يبلى برزق ضيّق
ومن الدّليل على القضاء وحكمه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إنّ الذي رزق اليسار فلم ينل
أجراً ولا حمداً لغير موفّق
والجدّ يدني كلّ أمر شاسع
والجدّ يفتح كلّ باب مغلق
ومن قول الإمام الشافعيّ في الموعظة الحسنة هذه الأبيات:
إذا رمت أن تحيا سليماً من الرّدى
ودينك موفور وعرضك صيّن
فلا ينطقن منك اللسان بسوأة
فكلّك سوءات وللناس أعين
وعيناك إن أبدت إليك معايباً
فدعها وقل ياعين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن
ومن بديع نظمه الفريد في أهل البيت (عليهم السّلام) قوله الذّائع في الناس قديماً وحديثا:
يا آل بيت رسول الله حبّكم
فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنّكم
من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
*******