كان الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) اذا رأى مبتلى بفضيحة أو ذنب يدعو بهذا الدّعاء وهو الخامس والثلاثون من أدعيه الصحيفة السّجّاديّة المنسوبة إليه على لقبه الآخر ونصّه: «اللهمّ لك الحمد على سترك بعد علمك، ومعافاتك بعد خبرك، فكلّنا اقترف العائبة، فلم تشهره وارتكب الفاحشة، فلم تفضحه، وتستّر بالمساوي، فلم تدلل عليه. كم نهي لك قد أتيناه، وأمر قد وقفتنا عليه فتعدّيناه، وسّيئة إكتسبناها وخطيئة ارتكبناها كنت المطّلع عليها دون الناظرين، والقادر على إعلانها فوق القادرين كانت عافيتك لنا حجاباً دون أبصارهم، وردماً دون أسماعهم.
فاجعل ما سترت من العوره، وأخفيت من الدّخيلة واعظاً لنا وزاجراً عن سوء الخلق واقتراف الخطيئة، وسعياً إلى التّوبة الماحية والّطريق المحمودة.
وقرّب الوقت فيه، ولا تسمنا الغفله عنك إنّا إليك راغبون، ومن الذّنوب تابئون.
وصلّ على خيرتك من خلقك محمّد وعترته الصّفوة من برّيتك الطاهرين، واجعلنا لهم سامعين ومطيعين كما أمرت».
وسألني الأخ رضا الحكيم من الكوفة أن لمن هذا البيت:
وأكتم السّرّ حتّى عن إعادته
إلى المسرّ به من غير نسيان
قلت للأخ الكريم رضا الحكيم: هذا البيت للقاضي الأسعد ابن ممّاتي المصريّ الكاتب الشاعر الذي نظم كتاب كليلة ودمنة لابن المقفّع شعرا، وله مصنّفات أخرى وتوفي سنة ستّ وستّ مئة عن اثنتين وستّين سنة.
وبيته المسئول عنه مليه بيت يفسّره، وها هما ذان مما:
وأكتم السّرّ حتّى عن إعادته
إلى المسرّ به من غير نسيان
وذاك أنّ لساني ليس يعلمه
سمعي بسرّ الذي قد كان ناجاني
قال: إنّي أكتم السّرّ حتّى عمّن أسرّه إليّ دون أن أنساه، وذاك لأنّ لساني لا يعلمه سمعي بذالك السّرّ الذي سارّني به صاحبه.
بعث إلىّ الصّديق مصطفى البحرانيّ من لندن سائلاً عن قائل هذا البيت:
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فريش الخوافي تابع للقوادم؟
قلت للأخ البحرانيّ ولحضراتكم: هذا البيت من جملة أبيات في المشورة للّشاعر المشهور بشّار بن برد البصريّ الذي كان في أوّل مرتبه المحدثين من الشعراء المجيدين وبيته المسئول عنه من أحسن شعر قيل في بابه، وها هو ذا وما سبقه:
إذا بلغ الّرأي المشورة فاستعن
بحزم نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فريش الخوافي قوّة للقوادم
والنّصاحة: مصدر الفعل نصحه، ونصح له، وهو- أي: الفعل - باللام أفصح.
والغضاضة: الذّلّة والمنقصة.
والخوافي: ما دون الّريشات العشر من مقدّم الجناح.
والقوادم: هي تلك الريشات العشر في كلّ جناح، والواحدة منها قادمة.
وسألني الصّديق القديم بنيامين ميخائيل أستاذ الرّياضيات الشّهير بالموصل في شمال العراق المفدّى أن من القائل:
إلاهنا ما أعدلك
مليك كلّ من ملك؟
قلت للصّديق الكريم أبي سدير بنيامين - دام ودّه الودود -: هذا البيت البديع السّهل الممتنع من قصيدة طرديّة غرّاء زهراء تأخذ بمجامع القلوب بسهولتها وعذوبتها وامتناعها الآسر.
وهي لعلم البراعة في الشعر الجميل والسّبق الأصيل أبي نواس الحسن بن هاني الغني عن كلّ تعريف.
وولادته في سنة خمس وأربعين، وقيل في سنة ستّ وثلاثين ومئة على ما جاء في تاريخ بغداد، ووفاته على ما جاء في هذا المصدر نفسه في سنة خمس، وقيل: ستّ وقيل: ثمان وتسعين ومئة ببغداد، ودفن فيها.
وهذه هي قصيدته ومطلعها البيت المسئول عنه، وقد قالها إذ جنّه الليل وهو محرم:
إلاهنا ما أعدلك
مليك كلّ من ملك
لبّيك قد لبّيت لك
لبّيك إنّ الحمد لك
والملك لا شريك لك
والليل لمّا أن حلك
والسابحات في الفلك
على مجاري المنسلك
ما خاب عبد أمّلك
أنت له حيث سلك
لولاك ياربّ هلك
كلّ نبيّ وملك
وكلّ من أهلّ لك
سبّح أو لبّى فلك
يا مخطئاً ما أغفلك
عجّل وبادر أجلك
واختم بخير عملك
لبّيك إنّ الملك لك
والحمد والنّعمة لك
والعزّ لا شريك لك
*******