حيث قال الله تعالى في كتابه المجيد: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، خصوصاً أنّ هذا الحدث وقع في شهرٍ عظيم هو شهر رمضان المبارك، وقد اختلفت الأَقوال عن وقت حدوث الإِسراء والمعراج.
فقال البعض إنّه وقع في السنة العاشرة من البعثة الشريفة فيما ذهب المؤرّخ البيهقي الى أنّه حدث في السنة الثانية عشرة منها، بينما قال آخرون إنّه وقع في أوائل البعثة، في حين أنّ فريقاً رابعاً أكّد وقوعه في أواسطها. وربّما يُقال في الجمع بين هذه الأَقوال أنّه كان لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) معارج متعدّدة.
وعندما نقف أمام هذه الذكرى العظيمة، فإنّنا نستوحي من ذلك قدرة الله والمعجزة التي حصلت للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، حيث أسرى الله تعالى بروح وجسد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد الحرام في مكّة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس في ساعة واحدة أو أقلّ من ذلك ممّا لا يُمكن اجتيازه في ذلك الوقت إلّا بأيّام كثيرة.
وكان ذلك الإسراء مظهراً لقدرة الله تبارك وتعالى وكرامة منه لنبيّه (صلى الله عليه وآله)، إذ أراد له تعالى في هذا الإسراء أن ينفتح على آياته في الأرض، وعلى كلّ النبوّات والرسالات، حيث جاء في السيرة أنّ الله عزّ وجلّ جمع له الأنبياء(عليهم السلام) وصلّى بهم في بيت المقدس، ومن ذلك انطلقت قداسة بيت المقدس إسلاميّاً، كما انطلقت في خطّ الرسالات.
وقد أراد الله تعالى للمسجدَيْن الحرام والأقصى اللذين انطلقا من موقع النبوّة، أن يتواصلا في خطّ كلّ الرسالات، وأن يمتزجا في رعاية الرسالة والانفتاح على الله.
بدأت رحلةُ النبيّ (صلى الله عليه وآله) الفضائية من بيت أُمّ هانئَ أُخت الإِمام علي (عليه السلام) إلى بيت المقدس في فلسطين الذي يسمّى "المسجد الأَقصى"، وتفقّد بيت لحم مسقط رأس السيّد المسيح (عليه السلام) ومنازل الأَنبياء وآثارهم، وصلّى عند كلّ محرابٍ ركعتين.
ثمّ بدأ في القسم الثاني من رحلته، المعراج إلى السماوات العلى، فشاهد النجوم والكواكب، واطّلع على نظام العالم العلويّ، وتحدّث مع أرواح الأَنبياء والملائكة، واطّلع على مراكز الرحمة والعذاب -الجنّة والنار- ورأى درجات أهل الجنّة وتعرّف على أسرار الوجود ورموز الطبيعة، ووقف على سعة الكون وآثار القدرة الإِلهية المطلقة، ثمّ واصل رحلته حتى بلغ سدرة المنتهى فوجدها مسربلة بالعظمة المتناهية والجلال العظيم.
وهنا كان قد انتهى برنامج الرحلة، فأُمر بالعودة من حيث أتى، فمرّ في طريق عودته على بيت المقدس ثانية، ثمّ توجه نحو مكّة مارّاً على قافلةٍ تجاريةٍ خاصّة بقريش، وقد ضلّ بعيرٌ لهم في البيداء يبحثون عنه، وشرب من مائهم، ثمّ ترجّل عن مركبته الفضائية –البراق- في بيت أُمّ هانئَ قبل طلوع الفجر.
فأخبرها بما حدث، كما كشف عنه في أندية قريش صباح نفس تلك الليلة. إلّا أنّ قريشاً كعادتها كذّبته وأنكرته، على أساس عدم استطاعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) القيام بذلك في ليلةٍ واحدة، وطلبوا منه أن يصف بيت المقدس، فوصفه النبيّ (صلى الله عليه وآله) وصفاً شاملاً.