قال الإمام الرّضا (عليه السّلام): لا يتمّ عقل امرىً مسلمٍ، حتّى تكون فيه عشر خصال:
الخير منه مأمول، والشّرّ منه مأمون. يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقلّ كثيره من نفسه. لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يملّ من طلب العلم طول دهره. الفقر في الله أحبّ إليه من الفنى في غيره، والذّلّ في الله أحبّ من العزّ في عدوّه. والخمول أشهى إليه من الشّهره. والعاشرة ما العاشرة!
قيل له: ما هي يا ابن رسول الله؟
قال: لا يرى أحداً، إلاّ قال: هو خيرٌ منّي وأتقى.
وكتب إليّ الأخ الصادق المختار من السّودان أن ما جواب لو في هذا البيت؟ ولمن هو؟
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا
فشهدت حين نكرّر التّوديعا
قلت: جوابه هو:
أيقنت أنّ من الدّموع محدّثا
وعلمت أنّ من الحديث دموعا
وهما للشاعر الظريف الحسن السّبك الجميل المقاصد أبي المطاع ذي القرنين بن حمدان بن الحسن ناصر الدّولة الحمدانيّ المتوفّى سنة ثمان وعشرين وأربع مئة في الشّهر الثاني منها. ومن بديع شعره قوله:
إنّي لأغبط لا في أسطر الصّحف
إذا رأيت اعتناق اللام للألف
وما أظنّهما طال اعتناقهما
إلاّ لما لقيا من شدّة الشّغف
وسألني الأخ العزيز رجاء المؤيّد من الكاظميّة ببغداد ان هل لهذا البيت الساطع الجمال من أخ، ولمن ينسب:
لو دام عيش رحمة لأخي هوىً
لأقام لي ذاك السّرور وداما
قلت لحبيبي المؤيّد الكاظميّ: هذا البيت الجميل من جملة أبيات مثله للسّيّد ابن طباطبا الشريف الحسنيّ نقيب الّطالبيّين بمصر المتوفّى سنة خمس وأربعين وثلاث مئة، وهو أبو القاسم أحمد بن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم طباطبا صاحب الشّعر المليح في الزّهد والغزل وغيرهما. وها هو ذا البيت المسئول عنه بين ما معه:
بانوا وأبقوا في حشاي لبينهم
وجداً إذا ظعن الخليط أقاما
لله أيّام السّرور كأنّما
كانت لسرعة مرّها أحلاما
لو دام عيش رحمة لأخي هوىً
لأقام لي ذاك السّرور وداما
يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا
عاماً وردّ من الصّبا أيّاما
وسألني الأخ الكريم أحمد المطّلبي من حلب الشّهباء أن من القائل:
لن ترجع الأنفس عن غيّها
ما لم يكن منها لها زاجر
قلت: قائل هذا البيت من أبيات الحكمة السّائرة أمثالاً هو المبدع الحاذق أبو نواس الحسن بن هاني بن عبد الأوّل.
ولقوله خبر طريف، فقد قال أبو العتاهية - على ما حكاه الصّولي-: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع، فعذلته، وقلت له: أما آن لك ان تزدجر؟
فرفع رأسه إليّ، وقال:
أتراني يا عتاهي
تاركاً تلك الملاهي
أتراني مفسداً بالنّسك
عند القوم جاهي
فلمّا ألححت عليه بالعذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيّها
ما لم يكن منها لها زاجر
فوددت أنّي قلت هذا البيت بكلّ شيء قلته.
وقال بو العتاهية أيضاً: قد قلت: عشرين ألف بيت في الزّهد وددت أنّ لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس، وهي:
يا نواسي توقّر
وتعزّ وتصّبر
إن يكن ساءك دهر
فلما سرّك أكثر
يا كبير الذّنب عفو الله
عن ذنبك أكبر
*******