وخلال العامين الماضيين، غابت المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان في الجزء القديم من مدينة دلهي، بسبب القيود التي فرضتها جائحة كورونا.
قال السكان المحليون إن الحياة عادت إلى المنطقة، وإلى ساحة "مسجد جامع"، المبني من الحجر الرملي الأحمر، والذي بناه الإمبراطور المغولي "شاه جهان" في القرن السابع عشر.
تبدو ساحة الفناء وكأنها قاعة طعام كبيرة، حيث ينتظر آلاف الأشخاص مع مجموعة متنوعة من الأطباق الشهية أمامهم إشارة لتناول الطعام.
المواطن جاويد أحمد خان، قال للأناضول، إن "المكان مليء بالأنشطة الآن، لقد كان هذا المشهد مفقوداً"، مشيراً إلى مشهد المسجد المليء بالمصلين.
تأتي إشارة الإفطار عبر صوتين لإطلاق نيران المدفع المخصص لذلك، يتبعها صمت شديد مع شرب الماء وتناول الطعام.
قال المؤرخون إنه خلال فترة المغول التي استمرت حتى عام 1857، كان المدفع الموجود في باحة المسجد مخصص للإعلان عن وقت الإفطار.
وعندما استولى البريطانيون على المدينة، تم استبدال إطلاق المدافع بتفجير المفرقعات.
قال محمد أنصار الحق، أحد أعضاء لجنة إدارة المسجد، للأناضول، "تقليديا، كان يتم إطلاق المدفع للإشارة إلى وقت الإفطار، لكن الآن نستخدم صوتين مرتفعين للمفرقعات النارية، ونشعل أيضاً أضواء مآذن المساجد لإعلام الناس أن وقت الإفطار قد حان".
وأضاف أنه هذا العام، وبسبب رفع القيود الخاصة بفيروس كورونا، تقام صلاة التراويح في المسجد بحضور عدد كبير من المصلين.
عودة البهجة
عادت الاحتفالات في محيط المسجد، بعد أن أعلنت الحكومة رفع القيود الخاصة بجائحة كورونا إثر انخفاض عدد الإصابات اليومية.
واكتسى سوق دلهي القديم القريب من المسجد بالزينة، حيث يضج بالزوار طوال الليل.
ويشكل المسلمون 13 بالمائة من سكان المدينة البالغ عددهم 18.9 مليون نسمة، ويتركزون في دلهي القديمة حول "مسجد جامع" الشهير.
أكرم قريشي، صاحب "مطعم الجواهر" الشهير، قال للأناضول، "يسعدنا عودة الصخب والبهجة هذا العام".
وأكد أنه في عام 2020، وبسبب الموجة الأولى من الوباء، تم إغلاق الأسواق تماما، وفي عام 2021 كانت بعض القيود لاتزال موجودة أيضاً.
وأضاف قريشي: "هذه المرة، وبسبب قلة عدد الحالات ورفع الإدارة للقيود، بدأ الناس في زيارة السوق".
مقابل "مطعم الجواهر" مباشرة، يقع متجر يديره خرام زبير، الذي يبيع مشروب "روح أفزة" الشهير، وهو مشروب عشبي شهير يستخدم للإفطار خلال شهر رمضان.
قال زبير، للأناضول، إن عمله تأثر بشكل كبير خلال العامين الماضيين بسبب فيروس كورونا، وإن المنطقة فقدت صخبها وضجيجها.
وأضاف: "من الجيد أن نرى عودة الناس في هذا الشهر الكريم... نحن نعتمد على الزوار (في كسب المعيشة)".
خلال شهر رمضان، تظل المحلات التجارية في المنطقة، بما في ذلك المطاعم التي تقدم أفضل المأكولات غير النباتية، مفتوحة حتى الصباح الباكر.
وقال زبير: "في هذه الأيام، يستمر الناس في زيارة المحلات حتى وقت السحر (قبل الفجر)".
موائد الإفطار
تشتهر نيودلهي، المعروفة بالصخب والضجيج السياسي، بموائد الإفطار الكبرى التي يقيمها سياسيون في جميع المجالات، والتي كانت تعمل كمنصة لالتقاء وترابط المجتمعات الهندية المختلفة.
شخصيات مثل الرئيس ورئيس الوزراء وغيرهم من كبار الشخصيات من مختلف الطيف السياسي، اعتادوا على استضافة مثل هذه الموائد الاحتفالية.
ولكن منذ عام 2014، عندما تولى حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني السلطة، انحسرت ثقافة موائد الإفطار في الهند.
نياز فاروقي، سكرتير جمعية علماء الهند، أكبر منظمة إسلامية دينية اجتماعية في الهند، قال للأناضول إن "البيئة المعادية للمسلمين التي تشهدها البلاد أثرت على موائد الإفطار التي كانت تعد فرصة للاحتفال بهذه المناسبة المهمة".
وأضاف: "لكن الجسور تتكسر حالياً، ويتم إنشاء مسافات بين المجتمعات، وهذا هو السبب في أننا نرى عدداً أقل من موائد الإفطار على جميع المستويات".
وقال الصحفي الهندي المخضرم قربان علي، إن موائد الإفطار كانت ذات أهمية سياسية بالنسبة للعديد من الصحفيين، وإنها كانت مصدراً للأخبار أيضاً.
وأضاف: "من خلال هذه الموائد، يمكن للمرء أن يعرف المزيد عن تطور الأوضاع السياسية، خاصة في أوقات الحكومات الائتلافية، فعندما يحضر سياسيون رفيعوا المستوى لمائدة إفطار معينة، نعرف هم أصدقاء لمن، وما إلى ذلك، كما أن ذلك سيصبح خبراً".
وأكد أن الخطاب العام المتنامي ضد المسلمين هو السبب وراء اختفاء موائد الإفطار بشكل عام.