وإن مثل هذا اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك، ذكرى يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنوّرة سنة 1هـ ، وقد آخى النبي (ص) بينه وبين أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، بعد أن آخى بين المهاجرين والأنصار.
والمؤاخاة هي عبارة عن رابطةٍ تجمع بين المهاجرين والأنصار؛ بحيث يتآخى كلّ مهاجرٍ مع أنصاريّ على حدة، وتقوم هذه المؤاخاة على أساس العقيدة، وتوثيق المحبّة والمودّة والنصرة والمواساة بالمال والمتاع.
وهذه المؤاخاة أخصّ من الأخوّة العامّة بين المؤمنين جميعاً؛ وذلك لأنّها أعطت للمتآخيَيْن الحقّ في التوارث دون أن تكون بينهما صلةٌ من قرابةٍ أو رَحِم، كما في قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ).
وقد استمرّ العملُ بقضيَّة التوارث زمناً، حتّى استطاع المهاجرون أن يألفوا المدينة ويندمجوا في المجتمع، فكان أوّل عملٍ قام به النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بعد بناء المسجد تشريع نظام المؤاخاة، وهي رابطةٌ تجمع بين المهاجر والأنصاريّ، تقوم على أساس العقيدة، وتوثّق مشاعر الحبّ والمودّة، والنصرة والحماية، والمواساة بالمال والمتاع، فكانت تلك الرابطة الوثيقة هي المؤاخاة، فآخى مرّةً بين المهاجرين قبل الهجرة على الحقّ والمواساة حينما كان في مكّة المكرّمة، وأُخرى آخى بين المهاجرين والأنصار على الحقّ والمواساة بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة.
وتُشيرُ الرواياتُ التاريخيّة إلى أنّ الرسول الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) آخى بين الناس، وترك علياً، حتّى لا يرى له أخاً؛ فقال: يا رسول الله، آخيتَ بين أصحابك وتركتَنِي؟!
فقال: إنّما تركتُك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، فإنْ ذكرك أحدٌ، فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب، والذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتُك إلّا لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي...
ويقول الشاعر أبو تمّام في هذا المعنى:
أخوه إذا عُدَّ الفخَارُ وصِهْرُه ** فَمَا مثلُهُ أخٌّ ولا مِثلُه صِهْرُ
لقد كان مشروعُ المؤاخاة الذي دعا إليه الرسولُ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من أقوى السياسات الإسلاميّة التي حثّ عليها القرآن الكريم، فقد ورد فيه بصيغة الحصر قولُه تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُوْنَ إِخْوَةٌ).