المذيع: أعزاءنا المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحييكم ونرحب بكم في الحلقة السادسة والعشرين من برنامج (دراسات مقارنة في الأدب الفارسي والآداب الأخرى) الذي يكتبه ويشرف عليه الدكتور عباس العباسي، وقد ناقشنا في الحلقة السابقة الجزء الثالث من قصة (سلامان وأبسال) هذه القصة الرمزية التي تناولها الشعراء والكتاب الايرانيون شعراً ونثراً، وقبل أن نسترسل بمناقشة الجزء الرابع من هذه القصة، نرجو من خبير البرنامج الدكتور عباس العباسي أن يوجز لنا ما مر من أحداث هذه التراجيد ياخبير البرنامج إن صح التعبير.
اهلاً وسهلاً....
خبير البرنامج: شكراً....
المذيع: حبذا لو أوجزتم القصة للمستمعين الكرام:
خبير البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم، سلامان وأبسال أخوان عاشا في قديم الزمان، تعهد سلامان الاكبر تربية أخيه أبسال وكان أبسال بديع الحسن والجمال وعندما شبَ كان قد نال من الكمال عظيم الخصال فأحبته زوجة أخيه سلامان إلى حد الهيام. وأحذت تخطط للوصول اليه وكان أبسال يتهرب منها وقد أفنعت زوجها بأن تزوج أختها من أبسال،وفي ليلة الزفاف وضعت نفسها مكان أختها وعندما سطع برق في السماء رأى أبسال وجهها فعرفها وهرب بحجة قتال العداء وبعد الفتوح الكثيره التي طالت سنين رجع ظاناً أن زوجة أخيه قد نسبت حبه لكن وجدها اكثر هياماً به، فرجع أدراجه ليقاتل الاعداء الذين هاجمهوا أرض أخيه سلامان وأغرت روجة أخيه قادة الجيش ليتركوا أبسالاً وحيداً في الميدان، فأصيب بجراح خطيرة وظن الجيش أن أبشالاً قد قتل، لكن أبسالاً نجامن الجراح وعاد بعد مده الى بلاد اخيه الذي كان الاعداء قد أحاطوا به فهاجمهم أبسال وهزمهم.
وفي هذه المرة تآمرت زوجة أخيه مع الطباخ والخادم، فأطعما أبسالاً السُم وقتلاه. وحزن سلامان على أخيه وترك الحكم لأحد اقاربه وراح يناجي ربه حتى ألهم بخبر قتلة أخيه فقتلهم بشيء من ذلك السُم.
المذيع: بما أن قصة سلامان وأبسال من القصص الرمزيه وعناصرها وأبطالها كل يرمز إلى غاية محددة في ماقصده الكاتب، ما هي هذه الرموز وما هو تأويل هذه القصة العجيبة؟
خبير البرنامج: عالم التصوف والعرفان مليء بالرموز والأسرار وسبب ذلك أن الصوفيين كانوا يريدون أن تكون أفكارهم ومعتقداتهم بعيدة عن تناول فهم العامة ولذلك أسباب عدة منها إساءة الفهم والتهجم على العرفاء والمتصوفة وكيل التهم إليهم.
وهذه القصة التي أردنا بها تبيين المشتركات الأدبية بين الشعوب وهذا ما يقال ويدرس في المقارنة الادبية، جاءت زاخرةً بالرمز والتأويل، لأن كاتبها، فيلسوف عظيم وعارف كبير وأديت وعالم، فهو الشيخ الرئيس أبو علي سينا. و هذا الذي ندلي به هو تأويل الشيخ العالم نصير الدين الطوسي للقصة:
فسلامان هنا، يمثل النفس الناطقة الحاكمة على الجسم كله.
خبير البرنامج: والنفس الناطقة هي أعلى مراتب كمال الروح. وأبسال يمثل العقل النظري وهو أعلى درجات العقل. أما زوجة سلامان فهي رمز للقوى الجسمانية التي تتطلب الشهوات. وأخت زوجة سلامان، كنايه عن العقل العملي ووضع زوجة سلامان نفسها بدلاً عن أختها ليلة الزفاف، فهو يمثل تزيين النفس الأمارة للشهوات. والبرق الذي سطع من السماء، تعبير عن الجذبة الالهية التي تتجلى في النفس الناطقه لتسوق العقل النظري إلى الكمالات.
وابتعاد أبسال من زوجة سلامان يعبر عن ابتعاد العقل النظري عن اللذات والشهوات الجسمانية الناتجة عن القوى الشهوانية.
المذيع: أعزاءنا ندعوكم مرة اخرى لنتابع معاً تأويل قصة سلامان وأبسال، في الادب الرمزي الصوفي (تفضل)
خبير البرنامج: وأما فتح البلدان التي استولى عليها أبسال لأخيه سلامان فهو تعبير عن سيطره النفس الناطقه على الجسم بمساعدة العقل.
أما بقاء أبسال في ميدان القتال وحيداً فهو تعبير عن أن العقل النظري عند السير والصعود نحو العالم المجرد من المادة لاتستطيع القوى الحسيه والجسمية أن ترافقه لأنها عاجزة عن الصعود إلى الكمال.
وأما تدهور أحوال سلامان وحزنه الشديد علىموت أخيه أبسال، كنايه عن عجز النفس الناطقه في تدبير الجسم.
المذيع: وعماذا تعبر عودة أبسال إلى أخيه في المرة الاخيرة، بعد أن عرج نحو العالم المجرد من المادة، أليست هذه نكسة في هذه الرحلة المعنوية؟
خبير البرنامج: هذه الرجعة تعبر عن أن النفس الناطقة (سلامان) كاست في ألفة مع العقل النظري وهو أبسال، فعاد ليدير أمور مملكة البدن لسلامان (النفس الناطقه) وأما الطباخ والخادم،كنايه عن قوة الغضب إلى تستغل عند مقاومة العقل لها. والخادم يمثل القوة الشهوانية التي تمتثل للنفس الامارة
وقتل سلامان لزوجته و الطباخ والخادم كنايه عن قتل النفس الامارة وقواها.
المذيع: أعزاءنا ونعودبكم لنتابع ماتبقىمن نقاش حول قصة سلامان وأبسال.
تحدثتم في الجزء الاول من هذه القصة عن أن الشاعر الكبير نور الدين عبدالرحمن الجامي نظم هذه القصة شعراًجميلاً، وهنا نسأل: أولاً أية صورة من صور قصة سلامان وأبسال التي صاغها الجامي شعراً؟ ثانياً: هل تصرف الجامي في أحداث القصة؟
خبير البرنامج: نورالدين الجامي، شاعر صوفي وفيلسوف اسلامي تحدثنا عنه في قصة مجنون ليلى.
أما القصة التى تبناها الجامي هي القصة التى نقلها حنين بن اسحاق من اليونانيه إلى العربيه.
والجامي استاد الشعر القصصي بعد النظامي الكنجوي فهو في هذه المنظومة كما هي عادته يبدأ بالحمد، ثم يقدم مجموعة مواقف وحكايات قصيرة حكمية، يبدأها بقصة عظة جميلة.
المذيع: أعزاءنا مازلنا معكم وقصة سلامان وأبسال من نظم الشاعر الكبير، عبدالرحمن الجامي.
خبير البرنامج: يبدأ الجامي القصة بهذا البيت الجميل الذي تبدأ به القطقه التحميدية:
اي به يادت تازه جان عاشقان
زآب لطفت، تر زبان عاشقان
ونقلته شعراً.
يا مَن بذكرك يحيى كُلُ ذي سقم
يا مَن بلطف يأتى الحب في الكلم
وهكذا يستمر الجامي بسرد قصص قصيرة وحكم، ثم يصوغ القصة شعراً بديعاً.
*******