المذيع: أعزائنا المستمعين، نحييكم مرة أخرى في برنامجكم، (دراسات مقارنة…) نتابع معاً قصة سلامان وأبسال، هذه القصة الرمزية ولنرى من أين جاءت وكيف تناولها الكتاب والشعراء الايرانيون وماذا قصدوا بسردها ونظمها؟ وكما هو معهود في هذا البرنامج، معنا في الاستوديو خبير البرنامج الدكتور عباس العباسي، نحييه ونتابع معه هذا الحديث الشّيّق.
سؤال: إستذكاراً لما قلتموه عن هذه القصة، هل يمكن الإشارة إلى مقدماتها لكي ندخل في صميم الموضوع؟
خبير البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم….
لهذه القصة جانب كبير من الاهمية، لأن المهتمين بها والذين عالجوها نثراً ونظماً، هم من اكبر الفلاسفة والادباء الايرانيين، كابي علي سينا والشيخ نصير الدين الطوسي، ومولانا نورالدين عبدالرحمن الجامي، اصل هذه القصة، يرجع إلى التراث اليوناني، كما أشرنا سالفاً، ترجمها إلى العربية العالم والطبيب الايراني حنين بن اسحاق في بداية القرن الثالث الهجري من اللغة اليونانية إلى العربية أما دخولها في الادب الفارسي، فهذا ما لا غرابة فيه، لأنّ هذين الادبين أعني الادب العربي والادب الفارسي ـ وكما أشرنا في اكثر من مكان ـ كانا ولا يزالان يتعاطيان الإثراء في المبنى والمعنى.
المذيع: هذا مما لا شك فيه لكنّ، كيف تناول الكتاب الايرانيون هذه القصة وما هو مصدرهم الأساس في هذه القصة ؟
خبير البرنامج: يقول الشيخ العالم الكبير نصيرالدين الطوسي في شرح إشارات الفيلسوف بن سيناء، إنّ القصة جاءت في كتاب (النوادر) لابن الاعرابي، لكنه يقول سمع ذلك من أحد الافاضل في خراسان ولم يقرأ النصّ هو شخصياً. ويقول أنّ ابن سينا أخذ معنى القصة واسمها من ذلك النصّ.
المذيع: وما هو النصّ ـ اي ما هو ملخص تلك القصة؟
خبير البرنامج: أشرنا في الحلقة الماضية، أن القصة تقول. (في كتاب النوادر) أن رجلين أحدهما فاضل صالح والآخر شرور، وقعا في الاسر الصالح كان اسمه (سلامان) والطالح كان اسمه (أبسال) اما الصالح فقد أطلق سراحه لما عرف فيه من خير وصلاح، وأما ابسال فقد بقي في السجين حتى لقي حتفه.
ويبدو أنّ هذه الحكاية الموجزة صارت اكبر مصدر لقصة سلامان وأبسال للفيلسوف الايراني ابن سينا.
المذيع: وهل قصة ابن سينا صورة مكبرة لهذه الحكاية القصيرة؟
خبير البرنامج: كلّا، وإن ما يذكره العالم الكبير نصير الدين الطوسي في شرح اشارات بن سينا يختلف عن هذه الصورة اختلافاً شاسعاً في ما سوى الاسم والنتيجة الذين جاء مطابقين للاصل الذي جاإ في كتاب النوادر لابن الاعربي على حد زعم ذلك الفاضل الخراساني.
المذيع: وما الذي يذكره الطوسي يا ترى؟
خبير البرنامج: فضلاً عن هذه الحكاية، نرى الشيخ الطوسي يسرد لنا صورتين مختلفتين من قصة سلامان وأبسال.
الصورة الأولى هي التي نقلها حنين بن اسحاق من اليونانية إلى العربية، وهذا موجزها:
كان في قديم الزمان، ملك على اليونان، الروم ومصر، وكان لذلك الملك وزير بارع حاذق في الامور و بفكره وتدبيره استطاع أن يحكم ذلك الملك العالم، وكان الملك يتمنى أن يكون له ولد دون أن يمس امرأة واستطاع الوزير أن يدبر الامر فصار من نطفة ذلك الملك ولد لم يضمه رحم امراة ـ كاولاد الانابيب اليوم ؟ وسمى ذلك الولد، سلامان فأودعوه إلى امرأة شابة جميلة لترضعه، وعندما بلغ الولد، تعلق بمرضعته. كما همّت به تعلقت به هي أيضاً وكانا لا يطيقان فراق بعضهما.
المذيع: أتذكر أنكم أشرتم خلال بحثكم عن مجنون ليلى أنه لم يكن يستريح إلى مربيته الاولى حتى أودعوه إلى مربية شابة حسناء فاستقر في احضانها واستراح لها فقالوا عنه سيموت حباً؟
فكيف تفسرون هذا التشابه؟
خبير البرنامج: قد يكون هذا نوعاً من التوارد الذي يظهر في أثر ما في مكان ما من العالم يشبه ما جاء في أثر آخر دون أن يطلع الكاتب او الشاعر على ذلك الاثر، لكنّ الحال هنا تختلف تماماً، فصاحب فكرة ارتياح مجنون للمربية الحسناء جاء من نسج خيال الشاعر الايراني عبدالله هاتفي وهو ابن أخت عبدالرحمن الجامي وكلا هما جاإ متأخرين عن ظهور قصة سلامان وأبسال ولا أشك في استقاء الهاتفي هذه الفكرة من قصة سلامان وأبسال من الاصل اليوناني.
المذيع: حسن لنعود إلى قصة سلامان وأبسال من ترجمة حنين بن اسحاق عن اليونانية.
خبير البرنامج: نعم، وتعلق سلامان بمرضعته أبسال وهي كذلك وساء الملك ذلك، وحاول منع إبنه من هذه العلاقة الّلاأخلاقية ولكن بلا جدوى، واضطر سلامان وأبسال أن يهربا إلى الجانب الغربي من البحر، وكان الملك جعل عليهما رقيباً ينزل بهم المصائب لكي لا يلتقيا كثيراً. واستاء سلامان من هذه الحياة فجاء إلى ابيه معتذراً، لكن أباه أنذره بحرمانه من الحكم بعده، وقرر سلامان وأبسال أن يلقيا بانفسهما في البحر وفعلاً ذلك، لكن الملك طلب من إلهة الماء أن تنجي سلامان لكن أبسال غرقت في البحر وماتت. وبقي سلامان حزيناً على أبسال، فطلب الملك من الوزير أن يبحث عن حيلة تساعد على نسيانه أبسال، فقدم الوزير صورة من أبسال لسلامان ليتسلى عن ذكر أبسال. وبعد فترة قدم الوزير صورة تمثل كوكب الزهرة دوالزهرة رمز الجمال والسّرور والموسيقى) ـ فانشغل بها ابن سلامان ونسي أبسال، عند ذلك رضي الملك من سلامان وعهد إليه بالملوكية.
وهذه هي القصة التي نقلها حنين بن اسحاق من اليونانية إلى العربية.
المذيع: تلك كانت الصورة الثالثة من قصة سلامان وأبسال، فأين هي قصة الشيخ الرئيس ابي علي سينا؟
خبير البرنامج: وبعد أن ينقل الشيخ نصير الدين الطوسي هذه القصة، يقول:
وبعد عشرين عاماً من نقل هذه القصه وشرحها وتفسيرها، عثرت على قصة أخرى من (سلامان وأبسال). وهذه هي القصة المنسوبة الى ابن سينا وشارح آثاره، في عداد آثار ابن سينا،وقد ذكرها ابوعبيد الجوزجاني تلميذ ابن سينا و إليكم شرح القصة:
( كان سلامان وأبسال شقيقين من أب واحدٍ وام واحدة وكان سلامان الاخ الاكبر فتعهد تربية أبسال.
وكان أبسال بديع الحسن والجمال كبيرا العقل كثيرالذكاء، شهماً شجاعاً. فتعلقت به زوجة أخيه سلامام واقترحت على زوجها أن يجعل أخاه أبسال جزءاً من أسرته ويحشره معهم ليتعلم الاولاد منه مكارم الاخلاق. وأصّر سلامان على أبسال كثيراً حتى أقنعه وكان أبسال لا يريد التقرب من النساء. وفي فرصة سانحة عرضت زوجة سلامان حبّها على أبسال فساءه ذلك كثيراً وزجرها، وعندما ئيست من الفوز بحبه، اقترحت على زوجها بأن يزوجه من أختها. لكنها اتفقت مع أختها على الا يكون أبسال خاصاً بها. وبعد إلحاح قبل أبسال بالزواج من أخت زوجة أخيه. و اشترطت على ألا يلتقي أبسال بزوجتهٍ (أختها) إلا في الظلام لأن أختها كثيرة الخجل. وفي ليلة الزفاف، تقمصت زوجة سلامان شخصية أختها ووضعت نفسها مكانها. وعندما دخل أبسال عليها توجس من سلوكها البعيد عن سلوك الفتيات العذارى ، وفي تلك اللحظة برق بارق من قلب السحاب وشاهد أبسال صورة المرأة فعرفها فقرر الهروب من تلك البلاد وقال لاخيه اريد أن افتح لك العالم. فزوده سلامان بجيش جرار واستمرّ أبسال بفتح البلاد الاخرى، وبعد الفتوح التي استغرفت زماناً طويلاً قرر أبسال العودة الى البلاد ظناً منه أن زوجة أخيه قد نسيت حبه، لكنّه وجدها اكثر هياماً به مما كانت عليه فلوى يطلب الهرب مرة أخرى.
المذيع: استدركنا الوقت وقد بقيت ـ كما يبدو ـ للقصة بقية.
اعزائنا ….. ها هي حلقتنا قد أشرفت على النهاية، نشكركم على حسن إصغاءكم، وحتى نلقاكم في الحلقة القادمة وفي الجزء الثالث من قصة سلامان وأبسال نحييكم أجمل تجيته. كما نحيي خبير البرنامج الدكتور عباس العباسي ونشكره ….
*******