دراسات مقارنة في الادب الفارسي والآداب الأخرى الشعر القصصي في الادب الفارسي وتأثيره على الاداب الاسلامية (الجزء الثاني) … أعزائنا المستمعين الكرام، تحدثنا اليكم في الحلقة الماضية عن الشعر القصصي الفارسي وتأثيره على الاداب الاسلامية. وذكرنا مصادر تلك القصص واصولها، وعن صياغتها شعراً في الادب الفارسي حتى أصبحت هذه القصص المنظومة، نمطاً بارزاً يحتذى به، إذ سار على ذلك النمط شعراء من العرب والترك والهند. وقد أشرنا إلى أن تلك المنظومات القصصية الغرامية، فقدت. ولم يبق منها الا نتف ومن تلك القصص التي لاقت اقبالاً واعجاباً في ذلك الوقت هي قصة (وامق والعذراء) والتي لم يبق مما نظم فيها غير منظومة الشاعر التركي (لامعي) هي التي نقلت الينا تفصيلات هذه القصه المثيرة للإعجاب والتي نشهد فيها ذلك اللون من الحب الذي يؤدي الى الجنون ونشهد ذلك التعاطف بين الانسان والوحوش وهو من الصورة التي ظهرت في قصة مجنون ليلى التي صاغها الشعراء الايرانيون شعراً وسيكون لنا معها موقف في إحدى حلقات هذا البرنامج إن شاءالله حن في هذا الموضوع اي (تاثير القصص الفارسي على الاداب الاسلامية) نحاول أن ننتقل من القصص الغرامية إلى قصص الحب الصوفي أو يعبر عنه بذلك ولهذا الغرض الذي يتمتع بكثير من الدقة والظرافة معنا خبير البرنامج، الدكتور عباس العباسي الطائي، استاذ الادب العربي والخبير باللغة الفارسية وآدابها، لنتجاذب معه أطراف الحديث، نحييه ونرحب به…
المذيعة: أحبتنا المستمعين، من القصص التي ملأت أخبارها الدنيا هي قصة النبي يوسف(ع) وزليخا، وقد لايبدو الحديث عنها حديثاً، لكننا نبتغي بمدارستها في هذه الحلقة مع خبير البرنامج لنتوصل إلى جذور هذه القصة والتاثرات التي بودلت بين الحضارات والثقافات المختلفة في هذا المجال.
سؤال: دكتور، ما رأيك في هذا وما هي جذور هذه القصة؟وما هي كيفية انتشارها؟ بسم الله الرحمن الرحيم
جواب: اصل القصة جاء في سفر التكوين من العهد القديم، لكن هذا النص الاصلي من التوراة لم يكن مترجماً إلى العربية او الفارسية في القرن الرابع والخامس الهجريين. ومما لا شك فيه أن هناك قدرأ كبيراً من المادة القصصية التي استخدمها الشعراء الايرانيون في نظم قصة يوسف(ع) من اصل اسرائيلي ومن القصص الشعبية الاسرائيلية التي دخلت في تفسير سورة يوسف، أدخلها اليهود الذين أسلموا. وهناك مصادر أخرى افاد منها الشعراء الايرانيون مثل: روايات وهب بن منبه، وكعب الاحبار، وتفسير الطبري وهو من أجمع التفاسير لمختلف الروايات، ثم تاريخ الطبري وتاريخ الطبري يتضمن رواية مفصلة لقصة يوسف(ع) (تاريخ الطبري ج ۱ ص ۳۳۰ ـ ۳٦٤)
سؤال: … نعرف أن جمال يوسف عليه السلام، من أهم العناصر المحورية في اشتهار قصة وانتشارها، فما مدى صحة هذا القدر من الجمال، وما هي مصادر الوصافين لجمال يوسف عليه السلام؟
جواب: وردت في جمال يوسف أحاديث وأخبار متعددة، يمكننا أن نذكر منها مايلي، على سبيل المثال: ۱ ـ ورد في كتاب قصص الانبياء للثعلبي (ص ۱۰۸)، عن ابى سعيد الخدري، قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مررت ليلة أسري بي إلى السماء فرأيت يوسف، فقلت يا جبريل، من هذا؟ فقال هذا يوسف قالوا: كيف رأيته يا رسول الله، قال: (كالقمر ليلة البدر). ۲ ـ خبر عن أبي اسحق بن عبدالله بن ابي فروة: كان يوسف أذا سار في أزقة مصر، يرى تلألؤ وجهه على الجدران. كما يرى نورالشمس والقمر على الجدران (المصدر السابق). ۳ ـ عن كعب الاحبار قال: قسم الله تعالى ليوسف من الجمال ثلثين وقسم بين العباد الثلث، فكان يوسف كضوء النهار، كان، أبيض اللون، جميل الوجه، جعد الشعر، ضخم العينين مستوي الخلقة، غليظ الساقين والعضدين والساعدين خميص البطن، أقنى الأنف، وكان بخدة الايمن خال وكان بين عينيه شامة بيضاء كانها قمر ليلة البدر، وكانت اهداب عينيه تشبه قوادم النسر، وكان اذا تبسم رئي النور من ضواحكه واذا تكلم رأيت النور يشرق من بين ثناياه هكذا … الى أن يقول اعطى الله يوسف من الحسن والجمال مالم يعطه لاحد من عباده. ٤ ـ وعن وهب بن منبه: الحسن عشرة أجزاء، ليوسف تسعة منها . ٥ ـ عن عبدالله بن مسعود عن النبي(ص) قال: هبط جبريل(ع) فقال: يا محمد، إن الله تعالى يقول لك كسوت حسن يوسف من نور الكرسي وكسوت وجهك من نور عرشي. وهذا الحديث يصور جمال يوسف بالقياس إلى جمال الرسول(ص) (الكفافي محمد عبد السلام، في الادب المقارن، ص ۳٦۹) فهذه الرويات كان لها بالغ الاثر في إثارة خيال الشعراء، وابداع الصور الجميلة الوصفية.
سؤال: وهل من الممكن الاستماع إلى بعض هذه الصور التي أبدعها الشعراء؟ جواب: نعم، هذه قطعة ممن منظومة (يوسف وزليخا) للشاعر المبدع والعارف الشهير، مولانا عبدالرحمن الجامي المولود سنة ثمان مأة وسبع عشرة هجرية، يصف فيها جمال يوسف(ع) وهي بالفارسية، نقرؤها ثم نقلها إلى العربية. شعراً، فهو يصف الموقف الذي عرض فيه على آدم البشر اولاده، فاصطف الانبياء على مختلف رتبهم ونظر آدم اليهم: يقول:
چو آدم سوي آن مجمع نظر كرد
زهر جمعي تماشاي دگر كرد
به چشمش يوسف آمد چون يكي ماه
نه مه خورشيد اوج عزت و جاه
جمال نيكوان در پيش او گم
چنان كز پرتو خورشيد، انجم
كمال حسنش از انديشه بيرون
زحد عقل فكرت پيشه بيرون
المعنى:
آدم ألقى على الجمع النظر
وأجال العين في كل الصور
وإذا يوسف تمثال قمر
بل كشمس في جلالٍ، فانبهر
واختفى في حسنه كل جميل
كنجوم في ضحى الشمس تميل
حسنه لا تحتويه الفكر
لا يحد الوصف منه النظر
سؤال: حبذا تزويد المستمعين الاعزاء بمثل هذا الكلام الجميل؟
جواب: سمعاً و طاعة وفي مكان آخر، عندما ترى رليخا يوسف في عالم الرؤيا لاول مرة يصف جماله: ننشدكم الابيات بالفارسية ثم ننقلها لكم بالعربية شعراً.
در آمد ناگهش از در جواني
چه ميگويم جواني، ني كه جاني
همايون پيكري از عالم نور
به باغ خلد كرده غارت حور
كشيده قامتي چون تازه شمشاد
به آزادي غلامش سرو آزاد
زبر آويخته زلفي چو زنجير
خرد را بسته دست و پاي تدبير
زليخا چون برويش ديده بگشاد
به يك ديدارش، افتاد آنچه افتاد
جمالي ديد از حدّ بشر دور
نديده از پري نشنيده از حور
الترجمة الشعرية من الشعر الى الشعر:
وأذا في الباب نور طالع
لفتى غضّ وروح ساطع
هيكل من عالم النور الأغر
خاطف الحسن من الحور ظهر
غصن بانٍ بقوام معتدل
بل له الغض كعبد يمتثل
زلفه سلة من ذهب
فكره فاق جميع الرتب
وزليخا مذ رأته في الخيال
وقعت في حبه قيد الحبال
ورأت حسناً رقى حسن البشر
لا ملاك ناله لا ذو حور
المذيعة: سيداتي سادتي، اليها المستمعون الكرام، لقد أدركنا الوقت، واشرفت هذه الحلقة على الختام، وبقيت للقصة، قصة يوسف وزليخا بقية سنتابعها معكم الحلقة في القادمة وبعون الله تعالى ….
*******