دراسات مقارنة بين الادب الفارسي والاداب العالمية الاخرى، برنامج في حلقات، يكتبها ويشرف عليها ويشارك في تقديمها الدكتور عباس العباسي، استاذ الادب العربي والخبير باللغة الفارسية.موضوع هذه الحلقة: مسيرة الشعر الفارسي وملتقاه بالشعر العربيقال رسول الله(ص): (إن من الشعر لحكمةً ومن البيان لسحرا)وفي تعريف قديم للشعر قالوا وبطريقة خيالية:(الشعر مركبة يجرها زوجان من الخيول المطهّمة هما: المخيلة والشعور ويسيّرها رجل حكيم هو: العقل وهذه المركبة تسبح فوق الغيوم)ومسيرة الشعر في ايران طويلة يرجع تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد وفي بحث مكثف قام به علماء الآثار المهتمون بثقافة الشرق وآثاره التاريخية وهم المستشرقون، توصلوا إلى أن الشعر الفارسي قد تتصل جذوره بالسلالات الملكية التي كانت تعيش منذ اكثر من ثلاثة آلاف عام.ألهزوارشوقد استطاع أول من استطاع وهو العالم الفرنسي (آندري آس) أن يكشف بعض الاسطر ذات المقاطع الهجائية، لكن الخط الذي وجد في نقش (كتيبة) حاجي آباد، هو الخط المعروفبـ (ألهزوارش) وهي لفظة فهلوية، وهذا الهزوارش آو الزّوارش، كان يكتب بالخط السامي الآرامي وتقرأ ترجمته بالفهلوية، فمثلاً كانوا يكتبون (يد) ويقرأونها (دشت) ولهذا لم يكن بمقدورهم أن يجزموا في وجود الوزن في تلك الكتيبة او النقش. لكن علماء الآثار وجدوا في منطقة (طورفان) في حدود الصين نقوشاً كتبت بالخط الفهلوي دون هزوارش فتحقق لهم تعيين الوزن في الشعر الفارسي القديم.كما وجد المستشرقون في الآثار الباقية من الشاعر والرسام (ماني) صاحب المذهب المانويّ المتوفي سنة ۲۷۰ ميلادية، اشعار موزونة.ومن هنا وصاعداً وقد دخلنا في واحة الشعر، نرى في هذه الحلقة أن من الأفضل أن (نعطى القوس باريها) وأن نحيل البحث إلى خبير البرنامج، الدكتور عباس العباسي، استاذ الادب العربي والخبير باللغة الفارسية وهو معنا الان في الاستوديو.ـ اهلاً وسهلاً …ـ بسم الله الرحمن الرحيم، تحيتي لكم وللمستمعين الكرام.كما تفضلت يا أختي الكريمة، موضوع الشعر الذي تضرب اصوله في جذور التاريخ صعب الوقوف على اوائله، إذا قيل أن الشعر ولد مع الانسان، وهذا قول خيالي أيضاً.لكننا في متابعة متواصلة لبحوث المستشرقين، وقفنا على نماذج شعرية موزونة يمكن البت من خلالها في قدمة الشعر الفارسي ووجود اوزان فيه يرجع تاريخها إلى السلالة الاشكانية والسلالة الساسانية اللتين كانتا تعيشان منذ ثلاثماة سنة قبل الاسلام.ومن خلال هذه الإكتشافات التي تمت، يمكن الاقتناع التام بوجود الوزن وشيء من القافية في الشعر القبل الاسلامي فهذا العالم الأثريّ (ني برغ) الذي اكتشف قطعة شعرية من عصر (ماني) أي القرن الثالث الميلادي، منها هذان الشطران اللذان نرى فيهما الوزن والقافية حتى. والشطران هما باللغة الفهلوية الساسانية، كالآتي:
زمان او زومندتر هچ هر دامان
زمان هند أچك اوكاري داتستان
القراء: زمان او/ زومندتر / هجر دا /مان = زمان هن/ دچك او/كاري دا /ستان الترجمة:
الزمان اقوى مخلوقين في العالم
الزمان مقياس وقاعدة لكلّ عمل
وهذان الشطران مكونان من أحد عشر مقطعاً هجائياً وفيهما قافية، ويشبهان أشعار (ماني) السابق الذكر.وقد أعتبر وزن هذا الشعر أساساً لوزن الشعر المعروف بالمثنوي (اي المزدوج) الحماسي في الشاهنامة وهو بحر المتقارب المقصور اوالمحذوف.
سؤال: … تحدثت في الحلقة الأولى من هذا البرنامج عن نص قصصي باسم (الشجرة الآسورية) وانها قصة شعرية موزونة، فأين مكانها من هذا البحث؟
جواب: أراك متابعة ومهتمة؟ـ نعم … (قولي ماتشاءين)
جواب: حسنٌ، أخذ أسلوب المناظرات -كما يبدو- والى يومنا هذا، في ايران طوراً بارزاً، حتى رأيناه في الفترة الاخيرة يتجلى في آثار الشاعرة الملتزمة المسلمة پروين اعتصامي، كالمناظرة بين الخيط والابرة أما، عن (الشجرة الآشورية) او الآسورية فهي منظومة شعرية، وموضوعها مناظرة بين الشجرة (النحلة) والوعل، وفي أيها أفضل وقد حاول العالم الفرنسي بنفشت الذي نسميه بالفارسية (بنونست) أن يكشف عن وزنها، وبعد معاناة طويلة استطاع أن يتوصل الى انها من وزن المتقارب المثنوي (فعولن فعولن فعولن فعل) أوقريبة منه.وللوزن المتقارب دون في الشعر الفارسي القبل الاسلامي، في الآثار الشعرية القديمة والشعر الحماسي الايراني، قبل وبعد الاسلام.وقد شجع هذا الكشف الهام الذي قد يكون أول بارقة في استقلال وزن الشعر الفارسي في ماقبل الاسلام _ او في بعض الاوزان على أقل تقدير _ أن يتابع بنفست البحث عن منظومات شعرية اخرى في اللغة الفهلوية، فيما جعله يجد منظومة باسم، أياتكار زريران (ذكرى حروب البطل زرير) وقد تكون هذه المنظومة من الآثار الملحمية التي جمعت نظائرها في القرن الرابع للهجري باسم الشاهنامة.وبهذا اجتمع للمحققين وثائق وآثار استطاعوا من خلالها أن يستنتجوا على أن الشعر الفارسي القديم (ماقبل الاسلام) كان يقال في ثلاثة لغات، وهي الافستائية والفهلوية والفارسية العامية، وهذا الاخيرة اي العامية، كانت في شمال الشرق وشمال الغرب من ايران ولم نتعرض لتيار العروض الذي تأثر الشعر الفارسي به فيما بعد أيّما تأثر.اما القافية، فلم تراع في جميع هذه الاشكال الشعرية بشكل ملحوظ وإنما تظهر تارة في قطعة على غير التزام وتغيب تارة أخرى.
سؤال: على ما يبدو أن الاوزان في الشعر الفارسي القديم، تختلف عن اوزان الشعر العروضي الفارسي في ما بعد الاسلام، كذلك تختلف عن الشعر العروضي العربي في ما قبل وبعد الاسلام، اذن كيف ومتى حصل هذا التشابه المتلاحم القريب بين الشعر الفارسي والشعر العربي؟
جواب: قلنا ان اوزان الشعر الفارسي القديم (ونعني بالقديم، ما قبل الاسلام) كانت هجائية، أي أن الشطر يتكون من مقاطع هجائية موزونة ولم يكن الشعر على شكل البيت المكون من شطرين اوكما يقال مصراعين كما هو عليه الآن لكن الايرانيين ومنذ القرن الثالث الهجري ابتكروا فكرة تطبيق الوزن الهجائي الفارسي على العروض العربي، ومن هذا الانطباق الذي تمثل في بحر المتقارب وهو البحر الذي قيلت فيه الشاهنامة (شاهنامة الفردوسي)، وكشاهد نذكر منها هذا البيت المشهور ونقطّعه، والبيت:
بسى رنج بروم در اين سال سى
عجم زنده كردم بين پارسى
والمعنى:
لكم عانيت في هذه الثلاثين عاماً
حتى أحييت الايرانيين بهذه اللغة الفارسية
وكما نرى، كانت اللغة الدرية تسمى (پارسية) أيضاً اما تقطيع البيت، فهو: بسى رن /ج بردم /در اين سا /ل سي × والشطر الثاني كذلك فعولن /فعولن / فعولن / فعو×
فهذا هو بحر المتقارب المحذوف الذي كان مستخدماً في القرن الثالث الميلادي في ايران (كما أسلفنا في عصر ماني) صاحب المذهب المانويّ. وهكذا نشأ الشعر الفارسي الفصيح متعانقاً مع الشعر العربي العروضي منذ القرن الثالث الهجري سائراً على وتيرة واحدة حتى اواسط القرن العشرين. وحتى نتابع كينونة الشعر الفارسي وطلائع الشعر في ايران، استودعكم الله.
*******