صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
قوله تعالي: «خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
1- المراد بالحق خلاف الباطل وهو خلقها من غير غاية ثابتة وغرض ثابت كما قال: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا»: "الأنبياء: ١٧"، وقال: «وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ»: الدخان: ٣٩.
2- وقوله: «وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» المراد بالتصوير إعطاء الصورة وصورة الشيء قوامه ونحو وجوده كما قال: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»: "التين: ٤" ، وحسن الصورة تناسب تجهيزاتها بعضها لبعض والمجموع لغاية وجودها، وليس هو الحسن بمعني صباحة المنظر وملاحته بل الحسن العام الساري في الأشياء كما قال تعالي: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ»: "الم السجدة: ٧".
3- ولعل اختصاص حسن صورهم بالذكر للتنبيه علي أنها ملائمة للغاية التي هي الرجوع إلي الله فتكون الجملة من جملة المقدمات المسوقة لإثبات المعاد علي ما تقدمت الإشارة إليه، وبهذه الآية تتم المقدمات المنتجة للزوم البعث ورجوع الخلق إليه تعالي، فإنه تعالي لما كان ملكا قادرا علي الإطلاق، له أن يحكم بما شاء ويتصرف كيف أراد، وهو منزه عن كل نقص وشين محمود في أفعاله، وكان الناس مختلفين بالكفر والإيمان وهو بصير بأعمالهم، وكانت الخلقة لغاية من غير لغو وجزاف، كان من الواجب أن يبعثوا بعد نشأتهم الدنيا لنشأة أخري دائمة خالدة فيعيشوا فيها عيشة باقية علي ما يقتضيه اختلافهم بالكفر والإيمان وهو الجزاء الذي يسعد به مؤمنهم ويشقي به كافرهم.
4- وإلي هذه النتيجة يشير بقوله: «وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
المصدر: تفسير الميزان