فاطمة، كانت "المرأة" كما يريد الإسلام للمرأة أن تكون، فصوّر ملامحها، ورسمها النبي (ص) وثقلها ورباها وعلمها تحت أضواء الفقر، والتعليمات الانسانية العميقة.
فأصبحت نموذجاً لكل أبعاد "المرأة" المختلفة.
نموذج الابنة تجاه أبيها.
نموذج الزوجة تجاه زوجها.
نموذج الأم تجاه أبنائها.
وتجسيد "الامرأة المناضلة المسؤولة" تجاه عصرها ومصير مجتمعها.
فهي بنفسها كانت "إماماً " أي نموذجاً مثالياً للمرأة. "أسوة" و"شاهداً" لكل امرأة تريد أن تختار "أن تكون نفسها".
فأجابت عن سؤال المرأة الملحّ "كيف تكون؟" بطفولتها المتميزة، بجهادها المستمر في الجبهتين الداخلية والخارجية، في بيت أبيها، بيت زوجها، في مجتمعها، في فكرها وسلوكها، وحياتها.
وبعد! لا أدري ماذا أقول؟ قلت الكثير، ولم أقل شيئاً.
ولكن، الشيء الذي لفت نظري وأهمني من بين كل مظاهر روحها العظيمة، هو كونها رفيقة سفر وحياة وسمو روح علي العظيمة. فهي لم تكن زوجته فقط، لأن علياً كانت له نساء أخريات بعدها، ولكنه نظر إليها، كصديقة، عارفة بهمومه وغاياته الكبيرة، كانت أنيس خلواته ورفيقة وحدته.
لهذا كان يراها علي (ع) بعين أخرى هي وأبناءها.
بعد فاطمة، يتزوج علي، فيرزق بأبناء، ولكنه يبقى يفضل أبناء فاطمة على بقية أبنائه، ويسميهم "بني فاطمة"، بينما يسمي البقية "بني علي".
عجباً كيف ينسب الأبناء إلى أمهم رغم وجود أبيهم، وبرغم كونه عليّاً!!!
وكذلك رأينا النبي (ص) ينظر إليها بعين أخرى، يتشدد عليها من بين كل أخواتها، ويعتمد عليها أيضا، يخاطبها بدعوته الكبيرة رغم صغر سنها.
والآن؟ لا أدري ماذا أقول عنها، وكيف أقوله؟
أردت أن أقلّد أحد أكبر خطباء فرنسا في حديثه عن "مريم" مرة أمام "لويس" فقال:
ألف وسبعمئة عام، وكل خطباء العالم يتحدثون عن مريم.
ألف وسبعمئة عام وكل فلاسفة ومفكري الشعوب، في الشرق والغرب، وهم يشرحون فضائل مريم.
ألف وسبعمئة عام والشعراء يستخدمون كل قواهم ومواهبهم وقرائحهم في مدح مريم.
ألف وسبعمئة عام وكل فناني، ورسامي، ونحاتي الشعوب، وهم يخلدون المعاجز الفنية في إظهار محيا وحالات مريم.
ولكن، كل هذه الكلمات والأقوال، والأفكار والجهود، طوال هذه القرون العديدة، لم تستطع أن تبين عظمة مريم كما بينتها هذه الجملة:
"مريم هي أم عيسى!"
وأردت أن أتحدث عن فاطمة (ع) بنفس الأسلوب، ولكنني عجزت.
أردت أن أقول: فاطمة هي بنت خديجة الكبرى.
وجدت أنها ليست فاطمة.
أردت أن أقول: فاطمة هي بنت محمد (ص).
وجدت أنها ليست فاطمة.
أردت أن اقول: فاطمة هي زوجة علي (ع).
وجدت أنها ليست فاطمة.
أردت أن أقول: فاطمة هي أم الحسنين (ع).
وجدت أنها ليست فاطمة.
أردت أن أقول: فاطمة هي أم زينب (ع).
وجدت أنها ليست فاطمة.
كلا! فهذه كلها هي، وليست هي كلها!
"ففاطمة هي فاطمة"!
مقتبس من كتاب "فاطمة هي فاطمة" للدكتور علي شريعتي